كتاب الكامل في التاريخ (اسم الجزء: 9)

ذِكْرُ حَصْرِ الْفِرِنْجِ دِمَشْقَ وَانْهِزَامِهِمْ
لَمَّا بَلَغَ الْفِرِنْجَ قَتْلُ الْمَزْدُقَانِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ بِدِمَشْقَ عَظُمَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَتَأَسَّفُوا عَلَى دِمَشْقَ حَيْثُ لَمْ يَتِمْ لَهُمْ مُلْكُهَا، وَعَمَّتْهُمُ الْمُصِيبَةُ، فَاجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ: صَاحِبُ الْقُدْسِ، وَصَاحِبُ أَنْطَاكِيَّةَ، وَصَاحِبُ طَرَابُلُسَ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْفِرِنْجِ وَقَمَامِصَتُهُمْ، وَمَنْ وَصَلَ إِلَيْهِمْ فِي الْبَحْرِ لِلتِّجَارَةِ وَالزِّيَارَةِ، فَاجْتَمَعُوا فِي خَلْقٍ عَظِيمٍ نَحْوَ أَلْفَيْ فَارِسٍ، وَأَمَّا الرَّاجِلُ فَلَا يُحْصَى، وَسَارُوا إِلَى دِمَشْقَ لِيَحْصُرُوهَا.
وَلَمَّا سَمِعَ تَاجُ الْمُلُوكِ بِذَلِكَ جَمَعَ الْعَرَبَ، وَالتُّرْكُمَانَ، فَاجْتَمَعَ مَعَهُمْ ثَمَانِيَةُ آلَافِ فَارِسٍ، وَوَصَلَ الْفِرِنْجُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَنَازَلُوا الْبَلَدَ، وَأَرْسَلُوا إِلَى أَعْمَالِ دِمَشْقَ لِجَمْعِ الْمِيرَةِ وَالْإِغَارَةِ عَلَى الْبِلَادِ، فَلَمَّا سَمِعَ تَاجُ الْمُلُوكِ أَنَّ جَمْعًا كَثِيرًا قَدْ سَارُوا إِلَى حَوْرَانَ لِنَهْبِهِ وَإِحْضَارِ الْمِيرَةِ، سَيَّرَ أَمِيرًا مِنْ أُمَرَائِهِ يُعْرَفُ بِشَمْسِ الْخَوَاصِّ فِي جَمْعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ خُرُوجُهُمْ فِي لَيْلَةٍ شَاتِيَةٍ كَثِيرَةِ الْمَطَرِ، وَلَقُوا الْفِرِنْجَ مِنَ الْغَدِ، فَوَاقَعُوهُمْ وَاقْتَتَلُوا، وَصَبَرَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، فَظَفِرَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ وَقَتَلُوهُمْ، فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ غَيْرُ مُقَدِّمِهِمْ وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، وَأَخَذُوا مَا مَعَهُمْ وَهِيَ عَشَرَةُ آلَافِ دَابَّةٍ مُوقِرَةٍ وَثَلَاثَمِائَةِ أَسِيرٍ، وَعَادُوا إِلَى دِمَشْقَ لَمْ يَمْسَسْهُمْ قَرْحٌ.
فَلَمَّا عَلِمَ مَنْ عَلَيْهَا مِنَ الْفِرِنْجِ ذَلِكَ أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَرَحَلُوا عَنْهَا شِبْهَ الْمُنْهَزِمِينَ، وَأَحْرَقُوا مَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ حَمْلُهُ مِنْ سِلَاحٍ وَمِيرَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَتَبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَالْمَطَرُ شَدِيدٌ وَالْبَرَدُ عَظِيمٌ، يَقْتُلُونَ كُلَّ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ، فَكَثُرَ الْقَتْلَى مِنْهُمْ، وَكَانَ نُزُولُهُمْ وَرَحِيلُهُمْ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.

ذِكْرُ مُلْكِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِي مَدِينَةَ حَمَاةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِي بْنُ آقَسُنْقَرَ صَاحِبُ الْمَوْصِلِ مَدِينَةَ حَمَاةَ.

الصفحة 18