كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 9)

والمعاصيَ، ودعاهم إليها، وأمرهم بها. أتاك -يا ابن آدم- مِن قِبَل وجْهك، غير أنّه لم يأْتك من فوقك، لا يستطيعُ أن يكونَ بينَك وبينَ رحمةِ الله (¬١). (٦/ ٣٣٩)

٢٧١٩٣ - عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}: أمّا {من بين أيديهم} فالدنيا أدعوهم إليها، وأُرَغِّبهم فيها، {ومن خلفهم} فمِن الآخرة، أُشَكِّكهم فيها، وأُبْعِدُها عليهم، {وعن أيمانهم} يعني: الحق، فأُشَكِّكهم فيه، {وعن شمائلهم} يعني: الباطل، أُخَفِّفه عليهم، وأُرَغِّبهم فيه (¬٢). (ز)

٢٧١٩٤ - عن محمد بن السائب الكلبي -من طريق معمر- في قوله تعالى: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم} قال: من دنياهم، ومن آخرتهم، حتى يُكَذِّبوا بالآخرة، وحتى أطغيهم في دنياهم، {وعن أيمانهم} مِن قِبَل حسناتهم حتى أعجبهم بها، {وعن شمائلهم} مِن قِبَل شهواتهم (¬٣). (ز)

٢٧١٩٥ - قال مقاتل بن سليمان: {ثم لآتينهم من بين أيديهم} مِن قِبَل الآخرة، فأُزَيِّن لهم التكذيب بالبعث وبالجنة وبالنار، {ومن خلفهم} يعني: مِن قِبَل الدنيا، فأُزَيِّنها في أعينهم، وأُرَغِّبهم فيها، ولا يُعْطُون فيها حقًّا، {وعن أيمانهم} يعني: مِن قِبَل دينهم، فإن كانوا على هُدًى شَبَّهته عليهم، حتى يشُكُّوا فيها، وإن كانوا على ضلالة زيَّنتها لهم، {وعن شمائلهم} يعني: من قِبَل الشهوات واللَّذّات من المعاصي، [أُشَهِّيها] إليهم، {ولا تجد أكثرهم شاكرين} لنعمتك، فلا يُوَحِّدونك (¬٤). (ز)

٢٧١٩٦ - قال عبد الملك ابن جُرَيْج -من طريق حجّاج- قوله: {من بين أيديهم} مِن دنياهم، أُرَغِّبهم فيها، {ومن خلفهم} آخرتهم، أُكَفِّرهم بها، وأُزَهِّدهم فيها، {وعن أيمانهم} حسناتهم، أُزَهِّدهم فيها، {وعن شمائلهم} مساوئ أعمالهم، أُحَسِّنها إليهم (¬٥) [٢٤٦٩]. (ز)
---------------
[٢٤٦٩] أفادت الآثارُ اختلاف المفسرين في معنى: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ ومِن خَلْفِهِمْ وعَنْ أيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ} على أقوال: الأول: معنى قوله: {لآتِيَنَّهُمْ مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ} مِن قِبَلِ الآخرة، {ومِن خَلْفِهِمْ} من قبل الدنيا، {وعَنْ أيْمانِهِمْ} من قبل الحق، {وعَنْ شَمائِلِهِمْ} من قبل الباطل. وهو قول ابن عباس، وقتادة. الثاني: معنى قوله: {مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ} من قبل دنياهم، {ومِن خَلْفِهِمْ} من قبل آخرتهم. وهو قول النخعي، والحكم، والسدي، وابن جريج. الثالث: معنى ذلك: من حيث يبصرون، ومن حيث لا يبصرون. وهو قول مجاهد.
ورجَّح ابن جرير (١٠/ ١٠٠) مستندًا إلى السياق أنّ المراد من قِبَل جميع وجوه الحقّ، فيصدّهم عنها، ومن قِبَل جميع وجوه الباطل، فيُزَيِّنها لهم. وقال: «وذلك أنّ ذلك عقيب قوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ المُسْتَقِيمَ}، فأخبر أنّه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرهم الله أن يسلكوه، وهو ما وصفنا من دين الله دين الحق، فيأتيهم في ذلك من كل وجوهه، من الوجه الذي أمرهم الله به، فيصدهم عنه، وذلك {مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ}، {عَنْ أيْمانِهِمْ}، ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه، فيزينه لهم، ويدعوهم إليه، وذلك {ومِن خَلْفِهِمْ}، {وعَنْ شَمائِلِهِمْ}».
_________
(¬١) أخرجه ابن جرير ١٠/ ٩٧ - ٩٨ واللفظ له، وابن أبي حاتم ٥/ ١٤٤٤ - ١٤٤٦.
(¬٢) أخرجه ابن جرير ١٠/ ٩٩. وعلَّقه ابن أبي حاتم ٥/ ١٤٤٥.
(¬٣) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٢٢٥.
(¬٤) تفسير مقاتل بن سليمان ٢/ ٣١.
(¬٥) أخرجه ابن جرير ١٠/ ٩٩.

الصفحة 33