كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 9)

الحزن. قال: ذَكرتُ منزلتكما من الجنة، وكرامةَ اللهِ إيّاكما، ففرحتُ لكما بمكانكما، وذكرتُ أنكما تخرجان منها، فبكيتُ لكما، وحزنتُ عليكما، ألم يقل لكما ربُّكما: متى تأكلان من هذه الشجرةِ تموتانِ وتخرجانِ منها. انظري إلَيَّ، يا حواءُ، فإذا أنا أكلْتُها؛ فإنْ أنا مُتُّ أو تغيَّر من خلقي شيءٌ فلا تأكُلا منها، أقسمُ لكما باللهِ إنِّي لكما لمن الناصحين. فانطلق إبليسُ حتى تناول من تلك الشجرة، فأكل منها، وجعل يقولُ: يا حواءُ، انظُري هل تغيَّر مِن خلْقي شيءٌ؟ هل متُّ؟ قد أخبرتُكِ ما أخبرتُكِ. ثم أدْبَر مُنطَلِقًا، وأقبل آدمُ من مكانه الذي كان يطُوفُ به مِن الجنة، فوجدها مُنكَبَّة على وجهها حزينةً، فقال لها آدمُ: ما شأنُكِ؟ قالت: أتاني الناصحُ المشفق. قال: ويْحك، لعله إبليسُ الذي حذَّرَناه اللهُ. قالت: يا آدمُ، واللهِ، لقد مضى إلى الشجرة فأكل منها وأنا أنظرُ، فما مات، ولا تغيَّر من جسده شيء. فلم تَزَلْ به تُدَلِّيه بالغُرور، حتى مضى آدمُ وحواءُ إلى الشجرة، فأهوى آدمُ بيده إلى الثمرة ليأخُذَها من الشجرة، فناداه جميعُ شجرِ الجنة: يا آدمُ، لا تأكُلْها؛ فإنّك إن أكلتها تخرج منها. فعَزَم آدمُ على المعصية، فأخذ ليتناول الشجرة، فجعلت الشجرةُ تَتَطاوَل، ثم جعل يمد يده ليأخُذها، فلما وضع يده على الثمرةِ اشْتَدَّت، فلما رأى اللهُ منه العزم على المعصية أخذها وأكل منها، وناول حواءَ فأكلت، فسقط منهما لباسُ الجمالِ الذي كان عليها في الجنة، {وبدت لهما سوأتهما}، وابتدَرا يَسْتَكِنّان بورق الجنةِ؛ {يخصفان عليهما من ورق الجنة}، ويعلمُ أن ّالله ينظرُ إليهما، فأقبل الربُّ في الجنة، فقال: يا آدمُ، أين أنت؟ اخْرُجْ. قال: يا ربِّ، أنا ذا أستحي أخرج إليك. قال: فلعلَّك أكَلتَ من الشجرةِ التي نَهيتُك عنها! قال: يا ربِّ، هذه التي جَعَلْتَها معي أغْوَتْني. قال: فمِنِّي تَخْتَبِئُ، يا آدم؟! أوَلَم تعلمْ أنّ كلَّ شيءٍ لي، يا آدمُ؟ وأنّه لا يخفْى عليَّ شيءٌ في ظلمةٍ ولا في نهار؟ قال: فبعث إليهما ملائكةً يدْفعان في رِقابِهما حتى أخرجوهما من الجنةِ، فأُوقِفا عُرْيانَيْن، وإبليسُ معهما بينَ يدي الله، فعند ذلك قضى عليهما وعلى إبليسَ ما قَضى، وعند ذلك أُهبِط إبليسُ معهما، وتلقّى آدمُ من ربِّه كلماتٍ فتاب عليه، وأُهبِطوا جميعًا (¬١). (٦/ ٣٤٢)
---------------
(¬١) عزاه السيوطي إلى ابن المنذر.

الصفحة 39