كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 9)

الْأَمْرَيْنِ أَنْ يَكُونَ مُضَارِعَ وَعَدَ وَمُضَارِعَ أَوْعَدَ، وَيُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ مُضَارِعَ أَوْعَدَ لِقَوْلِهِ:
فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّخْوِيفُ وَالتَّهْوِيلُ. وَمَعْنَى صِدْقِهِ:
تَحَقُّقُ وُقُوعِهِ، وَالْمُتَّصِفُ بِالصِّدْقِ حَقِيقَةً هُوَ الْمُخْبِرُ. وَقَالَ تَعَالَى: ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ «1» : أَيْ مَصْدُوقٍ فِيهِ. وَقِيلَ: لَصادِقٌ، وَوَضَعَ اسْمَ الْفَاعِلِ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْآيَةَ فِي الْكُفَّارِ، وَأَنَّهُ وَعِيدٌ مَحْضٌ.
وَإِنَّ الدِّينَ: أَيِ الْجَزَاءَ، لَواقِعٌ: أَيْ صَادِرٌ حَقِيقَةً عَلَى الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وَالظَّاهِرُ فِي السَّمَاءِ أَنَّهُ جِنْسٌ أريد به جميع السموات. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: هِيَ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ. وَقِيلَ: السَّحَابُ الَّذِي يُظِلُّ الْأَرْضَ.
ذاتِ الْحُبُكِ: أَيْ ذَاتِ الْخَلْقِ الْمُسْتَوِي الْجَيِّدِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ذاتِ الْحُبُكِ: أَيِ الزِّينَةِ بِالنُّجُومِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ذَاتِ الطَّرَائِقِ، يَعْنِي مِنَ الْمَجَرَّةِ الَّتِي فِي السَّمَاءِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ذَاتِ الشِّدَّةِ، لِقَوْلِهِ: سَبْعاً شِداداً «2» . وَقِيلَ: ذَاتِ الصَّفَاقَةِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: الْحُبُكُ بِضَمَّتَيْنِ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ: بِخِلَافٍ عَنْهُ، وَأَبُو مَالِكٍ الْغِفَارِيُّ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَأَبُو السَّمَّالِ، وَنُعَيْمٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَعِكْرِمَةُ: بِفَتْحِهَا، جَمْعَ حَبْكَةٍ، مِثْلُ: طَرْفَةٍ وَطُرَفٍ. وَأَبُو مَالِكٍ الْغِفَارِيُّ، وَالْحَسَنُ: بِخِلَافٍ عَنْهُ، بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالْبَاءِ وَأَبُو مَالِكٍ الْغِفَارِيُّ، وَالْحَسَنُ أَيْضًا، وَأَبُو حَيْوَةَ: بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ، وَهُوَ تخفيف فعل المكسور هما وَهُوَ اسْمٌ مُفْرَدٌ لَا جمع، لأن فعلا ليس مِنْ أَبْنِيَةِ الْجُمُوعِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مَعَ إِبِلٍ فِيمَا جَاءَ مِنَ الْأَسْمَاءِ على فعل بكسر الفاء وَالْعَيْنِ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَأَبُو مَالِكٍ:
بِفَتْحِهِمَا. قَالَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ: فَهُوَ جَمْعُ حَبَكَةٍ، مِثْلَ عَقَبَةٍ وَعَقَبٍ. انْتَهَى. وَالْحَسَنُ أَيْضًا: الْحِبَكِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، وَقَرَأَ أَيْضًا كَالْجُمْهُورِ، فَصَارَتْ قِرَاءَتُهُ خَمْسًا:
الْحُبُكِ الحبك الحبك الحبك الحبك. وَقَرَأَ أَبُو مَالِكٍ أَيْضًا: الْحِبُكِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّ الْبَاءِ، وَذَكَرَهَا ابْنُ عَطِيَّةَ عَنِ الْحَسَنِ، فَتَصِيرُ لَهُ سِتُّ قِرَاءَاتٍ. وَقَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ، وَهُوَ عَدِيمُ النَّظِيرِ فِي الْعَرَبِيَّةِ: فِي أَبْنِيَتِهَا وَأَوْزَانِهَا، وَلَا أَدْرِي مَا رَوَاهُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
هِيَ قِرَاءَةٌ شَاذَّةٌ غَيْرُ مُتَوَجِّهَةٍ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ كَسْرَهَا، ثُمَّ تَوَهَّمَ الْحِبُكِ قِرَاءَةَ الضَّمِّ بَعْدَ أَنْ كَسَرَ الْحَاءَ وَضَمَّ الْبَاءَ، وَهَذَا عَلَى تَدَاخُلِ اللُّغَاتِ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هذا البناء. انتهى.
__________
(1) سورة هود: 11/ 65.
(2) سورة النبأ: 78/ 12.

الصفحة 549