كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 9)

النّارُ إلى ربِّها ... " الحديثَ (¬١)، وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "اطَّلعتُ في الجنَّةِ، فرأيتُ أكثرَ أهلِها المساكينَ، واطَّلعتُ في النّارِ، فرأيتُ أكثرَ أهلِها النِّساءَ" (¬٢)، وقولُهُ: "دَخلتُ الجنّةَ، فأخَذتُ منها عُنقُودًا" (¬٣)، وقولُهُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لمّا خلقَ الله الجنّةَ حَفَّها بالمكاره، وخلَقَ النّارَ فحفَّها بالشَّهواتِ ... " الحديث (¬٤)، وهذا كثيرٌ، والآثارُ في خلقِ الجنَّةِ والنّارِ وأنَّهُما قد خُلِقتا كثيرةٌ.
ومِمّا يدُلُّ على أنَّ المُرادَ في هذا الحديثِ الجنّةُ والنّارُ: حديثُ البَراءِ بن عازِبٍ، الحديثُ الطَّويلُ؛ رواهُ سُليمانُ الأعمشُ، عن المِنْهالِ بن عَمرٍو، عن (¬٥) زاذان، عن البَراءِ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - - وهُو حديثٌ فيه طُولٌ - في عذابِ القَبرِ، قال فيه: "فيُعادُ رُوحُهُ في جَسدِهِ، ويأتيهِ مَلَكانِ فيُجْلِسانِهِ، فيقولانِ لهُ: من ربُّك؟ فيقولُ: ربِّيَ الله. فيقولانِ لهُ: ما دينُك؟ فيقولُ: دينيَ الإسلامُ. فيقولانِ: ما هذا الرَّجُلُ الَّذي بُعِثَ فيكُم؟ فيقولُ: هُو رسُولُ الله. فيقولانِ: وما عِلمُكَ؟ فيقولُ: قرأتُ كِتابَ الله، وآمنتُ به وصدَّقتُ. فيُنادي مُنادٍ من السَّماءِ: أنْ صدَقَ عبدي، فأفرِشُوهُ من الجنَّةِ، وألْبِسُوهُ من الجنَّةِ، وافتحُوا لهُ بابًا من (¬٦) الجنَّةِ. قال: فيأتيهِ من طِيبِها ورَوْحِها، ويفسَحُ لهُ في قَبر مدَّ بَصرِهِ ... " وذكَرَ الحديث، إلى قِصَّةِ الكافِرِ: "فيُقالُ لهُ: من ربُّكَ؟ ومن نبيُّكَ؟ وما دينُكَ؟ فيقولُ: لا أدْرِي، لا أدري،
---------------
(¬١) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٤٧ (٢٧) من مرسل عطاء بن يسار.
(¬٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٢٦١ (٥٠٨) من حديث ابن عبَّاس.
(¬٣) المصدر السابق.
(¬٤) سيأتي بإسناده، في الحديث الأوَّل لعبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان الحر، فأبردوا عن الصَّلاة ... " الحديث. وهو في الموطأ ١/ ٤٨ (١٨)، وانظر تخريجه هناك.
(¬٥) في م: "وعن"، خطأ.
(¬٦) في ظا، م: "إلى"، والمثبت من الأصل.

الصفحة 15