كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 9)

وقد ذهَبَ قومٌ من أهلِ العِلم، إلى أنَّ حديثَ نَوْفلِ بن مُعاويةَ أعمُّ وأولَى بصحيح المعنَى من حديثِ ابنِ عُمر، وقالوا فيه: قولُهُ: "من فاتَتهُ الصَّلاةُ" أو "من (¬١) فاتَتَهُ صلاةٌ"، يُريدُ: كلَّ صَلاةٍ؛ لأنَّ حُرمةَ الصَّلواتِ كلِّها سَواءٌ.
قال: وتَخْصيصُ ابن عُمرَ لصَلاةِ العَصْرِ، هُو كلامٌ خرجَ على جوابِ السّائلِ، كأنَّهُ سمِعَ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قد أجابَ من سألَهُ عن صَلاةِ العَصْرِ، بأنْ قال له: "الَّذي تَفُوتُهُ صلاةُ العَصرِ، فكأنَّما وُتِرَ أهلَهُ ومالهُ". ولو سُئلَ عن الصُّبح وغيرِها، كانَ (¬٢) كذلكَ جَوابُهُ أيضًا واللّه أعلمُ، بدليلِ حَديثِ نَوْفلِ بن مُعاويةَ: "الَّذي تفُوتُهُ الصَّلاةُ - أو: تفُوتُهُ صلاةٌ، فكأنَّما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ".
حدَّثنا أحمدُ بن محمدٍ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن الفضلِ، قال: حدَّثنا محمدُ بن جَرِير، قال: حدَّثنا محمدُ بن عبدِ الله بن عبدِ الحكم، قال: حدَّثنا ابنُ أبي فُديكٍ، قال: حدَّثنا ابنُ أبي ذِئبٍ، عن ابنِ شِهاب، عن أبي بكر بن عبدِ الرَّحمنِ بن الحارِثِ بن هشام، عن نَوْفلِ بن مُعاويةَ الدِّيليِّ، قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "من فاتَتَهُ الصَّلاةُ، فكأنَّما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ" (¬٣).
وفي هذا الحديثِ: تعظيمٌ لعَملِ الصلاةِ في وَقْتِها، وهي خيرُ أعمالِنا، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "واعلموا أنَّ (¬٤) خيرَ أعمالكم الصَّلاةُ" (¬٥). وقد سُئل - صلى الله عليه وسلم -، عن أيِّ الأعمالِ
---------------
(¬١) في م: "وقد" بدل: "أو من".
(¬٢) في م: "كان".
(¬٣) أخرجه البيهقي في الكبرى ١/ ٤٤٥، من طريق محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، به. وأخرجه الشَّافعي في مسنده، ص ٢٨، عن ابن أبي فديك، به.
(¬٤) في الأصل: "واعملوا وخير"، وفي م: "واعملوا أن"، وهو تحريف ظاهر، والمثبت يعضده ما في مصادر التخريج.
(¬٥) أخرجه الطَّيَالسي (١٠٨٩)، وأحمد في مسنده ٣٧/ ٦٠ (٢٢٣٧٨)، وابن ماجة (٢٧٧)، وابن حِبَّان ٣/ ٣١١ (١٠٣٧)، والطبراني في المعجم الأوسط ٧/ ١١٦ (٧٠١٩)، وفي الصغير ١/ ٢٧ (٨)، =

الصفحة 29