كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 9)

وهذا مَوْضِعٌ اختلَفَ العُلماءُ فيه (¬١)، فذهَبَ مالكٌ، والأوزاعيُّ، واللَّيثُ بن سَعْدٍ، على اختِلافٍ عنهُ، إلى أنَّ الغُسلَ لا يكونُ للجُمُعةِ إلّا عندَ الرَّواح إليها، مُتَّصلًا بالرَّواح.
وقد رُوي عن الأوزاعيِّ: أَنَّهُ يُجزِئُهُ أن يغتسِلَ قبلَ الفجرِ للجَنابةِ والجُمُعةِ.
وذهبَ الشّافعيُّ وأبو حنيفةَ والثَّوريُّ، إلى أنَّ منِ اغتسَلَ للجُمُعةِ بعدَ الفجرِ، أجْزَأهُ من غُسْلِها. وهُو قولُ الحسنِ البصريِّ، وإبراهيمَ النَّخَعيِّ (¬٢). وبه قال أحمدُ، وإسحاقُ، وأبو ثورٍ، والطَّبريُّ. وهُو قولُ عبدِ الله بن وَهْب صاحِبِ مالكٍ.
وقال أبو يوسُفَ (¬٣): إذا اغتسلَ بعد الفَجْرِ، ثُمَّ أحدَثَ فتوضَّأ، ثُمَّ شهِدَ الجُمُعةَ، لم يكُن كمَنْ شهِد الجُمُعةَ على غُسلٍ.
قال أبو يوسُف: إن كان الغُسلُ ليوم، فاغتسلَ بعد الفَجْرِ، ثُمَّ أحدَثَ فصلَّى الجُمُعةَ بوُضُوءٍ، فغُسلُهُ تامٌّ، وإن كان الغُسلُ للصَّلاةِ، فإنَّما شهِدَ الجُمُعةَ على وُضُوء.
وقال مالكٌ: مَنِ اغتسَلَ للجُمعةِ (¬٤) عندَ الرَّواح، ثُمَّ أحدَثَ فتوضَّأ وشهِدَ الجُمُعةَ، أجزأهُ غُسلُهُ، وإنِ اغتسلَ أوَّل النَّهارِ ويُريدُ به الجُمُعةَ، لم يُجزِئه من غُسلِ الجُمُعةِ.
وقال الثَّوريُّ: إذا اغتسلَ يومَ الجُمُعةِ من جَنابةٍ أو غيرِها أجْزَأهُ من غُسلِ الجُمُعةِ. فهذا يدُلُّ على أنَّ الغُسلَ عندَهُ لليوم، لا للرَّواح إلى الجُمُعةِ.
---------------
(¬١) انظر عن اختلاف أهل العلم في الغسل يوم الجمعة: الإشراف لابن المنذر ٤/ ٣٩، ومختصر اختلاف العلماء ١/ ١٥٨.
(¬٢) انظر: مصنَّف ابن أبي شيبة (٥٠٨٠).
(¬٣) مختصر اختلاف العلماء ١/ ١٥٨ (٧٤)، والاستذكار ٢/ ١٨، وكذلك الآراء الآتية بعد.
(¬٤) هذه الكلمة سقطت من م.

الصفحة 55