كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 9)

ابنِ عُمرَ في هذا البابِ، والاثْنتَيْ عشْرةَ رَكْعةً المذكُورةَ في حَديثِ أُمِّ حَبِيبةَ (¬١)، فإنَّها عندَ جَماعةٍ منهُم سُنَّةٌ مسنُونةٌ، ويُسمُّونها صَلاةَ السُّنَّةِ، يرونَ صَلاتَها في المسجدِ، دُونَ سائرِ التَّطوُّع، وما عَداها من التَّطوُّع كلِّه (¬٢) فهُو في البَيْتِ أفَضلُ، ولا بأسَ به في المسجدِ. هذا كلُّهُ قولُ جُمهُورِ العُلماءِ.
وأمّا قولُهُ: وبعدَ الجُمُعةِ رَكْعتينِ. فإنَّ الفُقهاءَ اختَلفُوا في التَّطوُّع بعدَ الجُمُعةِ خاصَّةً (¬٣).
فقال مالكٌ: يَنْبغي للإمام إذا سلَّمَ من الجُمُعةِ، أن يدخُلَ مَنْزِلَهُ، ولا يركَعَ في المسجدِ، لما رُوي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَنَّهُ كان ينصرِفُ بعدَ الجُمُعةِ ولم يَركَعْ في المسجدِ، وإنَّما كان يركعُ الرَّكعتينِ في بيتِهِ. قال مالكٌ: ومَن خَلْفَ الإمام أيضًا إذا سلَّمُوا، فأحَبُّ إليَّ أن ينصرِفُوا ولا يركعُوا في المسجدِ، فإن ركعُوا فإنَّ ذلك واسِعٌ (¬٤).
وقال الشّافِعيُّ: ما أكثرَ المُصلِّي من التَّطوُّع بعدَ الجُمُعةِ، فهُو أحبُّ إليَّ.
وقال أبو حَنِيفةَ: يُصلِّي بعد الجُمُعةِ أربعًا. وقال في موضِع آخر: سِتًّا.
وقال الثَّوريُّ: إن صلَّيتَ أربعًا، أو سِتًّا (¬٥) فحسُنٌ.
وقال الحسنُ بن حيٍّ: يُصلِّي أربعًا.
وقال أحمدُ بن حَنْبل: يُصلِّي سِتًّا بعدَ الجُمُعةِ أحَبُّ إليَّ (¬٦)، وإن شاءَ أربعًا.
---------------
(¬١) سيأتي بإسناده، ويخرج في موضعه.
(¬٢) في م: "كلها".
(¬٣) ينظر: مختصر اختلاف العلماء ١/ ٣٤١ - ٣٤٢، فالآراء الآتية منقولة منه.
(¬٤) انظر: المدونة لسحنون ١/ ٢٣٧.
(¬٥) في الأصل: "وستا".
(¬٦) في الأصل: "إليه".

الصفحة 74