كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 9)

والآثارُ في نُزُولِ عيسى ابنِ مريمَ عليه السَّلامُ، وحَجِّهِ البيتَ وطوافهِ، ثابِتة عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وقد حجَّ البيتَ - فيما زَعمُوا -: آدمُ، وجماعةٌ من الأنبياءِ بعدَهُ قبلَ رَفْع إبراهيمَ قَواعِدَهُ بعدَ ذلك.
وأمّا قولُهُ: "رجُلًا آدَمَ". فالآدمُ: الأسمرُ الذي عَلاهُ شيءٌ من سَوادٍ قليلًا، والأُدْمَةُ: لونُ العَربِ في الرِّجالِ، إلّا أنَّهُم يقولُونَ للأبيضِ من الإبِلِ: الآدمُ، والآدمُ عندَهُم من الظِّباءِ، الذي هُو لونُ التُّرابِ.
و"اللِّمَّةُ": الجُمَّةُ من الشَّعرِ، هي أكملُ من الوَفْرةِ، والوَفْرةُ: ما يبلُغُ الأُذُنينِ.
وقولُهُ: "قد رَجَّلها"، يعني: قد مشَّطها، بعدَ أن بلَّها.
وقولُهُ: "فهي تَقطُرُ ماءً" من الاسْتِعارةِ العَجِيبةِ، والكلام البديع، وكان قد أُوتِيَ جوامِعَ الكلِم - صلى الله عليه وسلم -.
وقولُهُ: "أو على عَواتِق رجُلينِ". شكٌّ من المُحدِّثِ، لا شكٌّ من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
وقد رَوَى مُجاهِدٌ، عن ابنِ عُمرَ مرفُوعًا في صِفةِ المسيح عليه السَّلامُ: أنَّهُ أحمرُ جَعْدٌ.
وذكر البُخاريُّ، قال (¬١): حدَّثنا محمدُ بن كثيرٍ، قال: حدَّثنا إسرائيلُ، قال: حدَّثنا عُثمانُ بن المُغيرةِ، عن مُجاهِدٍ، عن ابنِ عُمرَ، قال: قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "رأيتُ عيسى وموسى وإبراهيمَ عليهمُ السَّلامُ، فأمّا عيسى، فأحمرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدرِ، وأمّا موسى فآدَمُ جسيمٌ سبطٌ، كأنَّهُ من رِجالِ الزُّطِّ (¬٢) ".
وذكَرَ أسَدُ بن موسى، قال: حدَّثنا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدةَ، قال: حدَّثني مالكُ بن مِغْوَلٍ، عن سعيدِ بن مسرُوقٍ، عن عِكْرِمةَ في قولِهِ: {وَمَا
---------------
(¬١) في صحيحه (٣٤٣٨).
(¬٢) "الزُّط" بضم الزاي: جنس من السودان. انظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض ١/ ٣١٠.

الصفحة 90