كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)

رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ دَخَلْتُ مَعَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ شَابٌّ فَحَدَّثَ بِحَدِيثٍ رَأَيْتُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِهِ مِنْ أَجْلِي وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَأَنَا أُحَدِّثُ الْقَوْمَ قَوْلُهُ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ الْمَعْشَرُ جَمَاعَةٌ يَشْمَلُهُمْ وَصْفٌ مَا وَالشَّبَابُ جَمْعُ شَابٍّ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى شَبَبَةٍ وَشُبَّانٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالتَّثْقِيلِ وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّهُ لَمْ يُجْمَعْ فَاعِلٌ عَلَى فُعَّالٍ غَيْرُهُ وَأَصْلُهُ الْحَرَكَةُ وَالنَّشَاطُ وَهُوَ اسْمٌ لِمَنْ بَلَغَ إِلَى أَنْ يُكْمِلَ ثَلَاثِينَ هَكَذَا أَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ يُقَالُ لَهُ حَدَثَ إِلَى سِتَّةِ عَشَرَ سَنَةً ثُمَّ شَابٌّ إِلَى اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ ثُمَّ كَهْلٌ وَكَذَا ذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الشَّبَابِ أَنَّهُ مِنْ لَدُنِ الْبُلُوغِ إِلَى اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقَالَ بن شَاسٍ الْمَالِكِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ إِلَى أَرْبَعِينَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ أَنَّ الشَّابَّ مَنْ بَلَغَ وَلَمْ يُجَاوِزِ الثَّلَاثِينَ ثُمَّ هُوَ كَهْلٌ إِلَى أَنْ يُجَاوِزَ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ هُوَ شَيْخٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَطَائِفَةٌ مَنْ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ سُمِّيَ شَيْخًا زَاد بن قُتَيْبَةَ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْخَمْسِينَ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الاسفرايني عَنِ الْأَصْحَابِ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إِلَى اللُّغَةِ وَأَمَّا بَيَاضُ الشَّعْرِ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْزِجَةِ قَوْلُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ خَصَّ الشَّبَابَ بِالْخِطَابِ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُجُودُ قُوَّةِ الدَّاعِي فِيهِمْ إِلَى النِّكَاحِ بِخِلَافِ الشُّيُوخِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى مُعْتَبَرًا إِذَا وُجِدَ السَّبَبُ فِي الْكُهُولِ وَالشُّيُوخِ أَيْضًا قَوْلُهُ الْبَاءَةُ بِالْهَمْزِ وَتَاءِ تَأْنِيثٍ مَمْدُودٌ وَفِيهَا لُغَةٌ أُخْرَى بِغَيْرِ هَمْزٍ وَلَا مَدٍّ وَقَدْ يُهْمَزُ وَيُمَدُّ بِلَا هَاءٍ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا الْبَاهَةُ كَالْأَوَّلِ لَكِنْ بِهَاءٍ بَدَلَ الْهَمْزَةِ وَقِيلَ بِالْمَدِّ الْقُدْرَةُ عَلَى مُؤَنِ النِّكَاحِ وَبِالْقَصْرِ الْوَطْءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِالْبَاءَةِ النِّكَاحُ وَأَصْلُهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَتَبَوَّؤُهُ وَيَأْوِي إِلَيْهِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ اشْتُقَّ الْعَقْدُ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ أَصْلِ الْبَاءَةِ لِأَنَّ من شَأْن من يتَزَوَّج الْمَرْأَة أَن يبوءها مَنْزِلًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْجِمَاعُ فَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِهِ وَهِيَ مُؤَنُ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ وَيَقْطَعَ شَرِّ مَنِيِّهِ كَمَا يقطعهُ الوجاء وعَلى هذاالقول وَقَعَ الْخِطَابُ مَعَ الشَّبَابِ الَّذِينَ هُمْ مَظِنَّةُ شَهْوَةِ النِّسَاءِ وَلَا يَنْفَكُّونَ عَنْهَا غَالِبًا وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا وَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ مُؤَنَ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَصُمْ لِدَفْعِ شَهْوَتِهِ وَالَّذِي حَمَلَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا عَلَى مَا قَالُوهُ قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ قَالُوا وَالْعَاجِزُ عَنِ الْجِمَاعِ لَا يُحْتَاجُ إِلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِ الشَّهْوَةِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ الْبَاءَةِ عَلَى الْمُؤَنِ وَانْفَصَلَ الْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ عَنْ ذَلِك بالتقدير الْمَذْكُور انْتهى وَالتَّعْلِيل الْمَذْكُور للبازري وَأَجَابَ عَنْهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ تَخْتَلِفَ الِاسْتِطَاعَتَانِ فَيَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ أَيْ بَلَغَ الْجِمَاعَ وَقَدَرَ عَلَيْهِ فَلْيَتَزَوَّجْ وَيَكُونَ قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَيْ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّزْوِيجِ قُلْتُ وَتَهَيَّأَ لَهُ هَذَا لِحَذْفِ الْمَفْعُولِ فِي الْمَنْفِيِّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْبَاءَةَ أَوْ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ التَّزْوِيجِ وَقَدْ وَقَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَرِيحًا فَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ وَمِثْلُهُ لِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَلِلْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمَازِرِيِّ فَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِي الْبَابِ

الصفحة 108