كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)

شُهُودٍ لِأَنَّهُ لَوْ حَضَرَ فِي تَزْوِيجِ صَفِيَّةَ شُهُودٌ لَمَا خَفِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ حَتَّى يَتَرَدَّدُوا وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّذِينَ حَضَرُوا التَّزْوِيجَ غَيْرُ الَّذِينَ تَرَدَّدُوا وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ تَرَدَّدُوا فَذَلِكَ مَذْكُورٌ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ أَوَّلِ الْحَدِيثِ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِتْقِ فِي الَّذِي بعده

(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ جَعَلَ عِتْقَ الْأَمَةِ صَدَاقَهَا)
كَذَا أَوْرَدَهُ غَيْرَ جَازِمٍ بِالْحُكْمِ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ مِنَ الْقُدَمَاءِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَإِبْرَاهِيمُ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ وَمِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ قَالُوا إِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا صَحَّ الْعَقْدُ وَالْعِتْقُ وَالْمَهْرُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَأَجَابَ الْبَاقُونَ عَن ظَاهر الحَدِيث بأجوبة أقربها إِلَى لَفْظُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَوَجَبَتْ لَهُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا وَكَانَتْ مَعْلُومَةً فَتَزَوَّجَهَا بِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ سَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ ثَابِتٌ لِأَنَسٍ مَا أَصْدَقَهَا قَالَ نَفْسَهَا فَأَعْتَقَهَا هَكَذَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَغَازِي وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ فِي حَدِيثٍ قَالَ وَصَارَتْ صَفِيَّةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لِثَابِتٍ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَنْتَ سَأَلْتَ أَنَسًا مَا أَمْهَرَهَا قَالَ أَمْهَرَهَا نَفْسَهَا فَتَبَسَّمَ فَهُوَ ظَاهِرٌ جدا فِي أَن المجمول مَهْرًا هُوَ نَفْسُ الْعِتْقِ فَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوَاعِدِ حَتَّى لَوْ كَانَتِ الْقِيمَةُ مَجْهُولَةً فَإِنَّ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَجْهًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ جَعَلَ نَفْسَ الْعِتْقِ الْمَهْرَ وَلَكِنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَ آخَرُونَ قَوْلُهُ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا مَعْنَاهُ أَعْتَقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَلَمَّا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ سَاقَ لَهَا صَدَاقًا قَالَ أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا أَيْ لَمْ يُصْدِقْهَا شَيْئًا فِيمَا أَعْلَمُ وَلَمْ يَنْفِ أَصْلَ الصَّدَاقِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيّ من الشَّافِعِيَّة وبن الْمُرَابِطِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَمَنْ تَبِعَهُمَا أَنَّهُ قَوْلُ أَنَسٍ قَالَهُ ظَنًّا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَرُبَّمَا تَأَيَّدَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمَيْمَةَ وَيُقَالُ أَمَةُ اللَّهِ بِنْتُ رَزِينَةَ عَنِ أُمِّهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَخَطَبَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَأَمْهَرَهَا رَزِينَةَ وَكَانَ أَتَى بِهَا مَسْبِيَّةً مِنْ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَهَذَا لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لِضَعْفِ إِسْنَادِهِ وَيُعَارِضُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ مِنْ حَدِيثِ صَفِيَّةَ نَفْسِهَا قَالَتْ أَعْتَقَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ عِتْقِي صَدَاقِي وَهَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ أَنَسًا قَالَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا ظَنَّهُ وَقَدْ خَالَفَ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا مَا عَلَيْهِ كَافَّةُ أَهْلِ السِّيَرِ أَنَّ صَفِيَّةَ مِنْ سَبْيِ خَيْبَرَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعْتَقَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَنْكِحَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فَلَزِمَهَا الْوَفَاءُ بِذَلِكَ وَهَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ وَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ قَالَ بن الصَّلَاحِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعِتْقَ يَحِلُّ مَحَلَّ الصَّدَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَدَاقًا قَالَ وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ الْجُوعُ زَادُ مَنْ لَا زَادَ لَهُ قَالَ وَهَذَا الْوَجْهُ أَصَحُّ الْأَوْجُهِ وَأَقْرَبُهَا إِلَى لَفْظِ الْحَدِيثِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَمِنَ الْمُسْتَغْرَبَاتِ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ

الصفحة 129