كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)

طَرِيق بن سِيرِينَ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَيْتُ أَنْ لَا آخُذَ عَلَى رِدَائِي إِلَّا لِصَلَاةِ جُمُعَةٍ حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ فَجَمَعَهُ فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا فَمُرَادُهُ بِجَمْعِهِ حِفْظُهُ فِي صَدْرِهِ قَالَ وَالَّذِي وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ حَتَّى جَمَعْتُهُ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ وَهْمٌ مِنْ رَاوِيهِ قُلْتُ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ أَصَحُّ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَوَقع عِنْد بن أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا بَيَانُ السَّبَبِ فِي إِشَارَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقِيلَ كَانَتْ مَعَ فُلَانٍ فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَقَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَأَمَرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَهُ فِي الْمُصْحَفِ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَهُ أَيْ أَشَارَ بِجَمْعِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَنَسَبَ الْجَمْعَ إِلَيْهِ لِذَلِكَ وَقَدْ تُسَوَّلُ لِبَعْضِ الرَّوَافِضِ أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ فَقَالَ كَيْفَ جَازَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ السَّائِغِ النَّاشِئِ عَنِ النُّصْحِ مِنْهُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ وَقَدْ كَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ فِي كِتَابَةِ الْقُرْآنِ وَنَهَى أَنْ يُكْتَبَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَلَمْ يَأْمُرْ أَبُو بَكْرٍ إِلَّا بِكِتَابَةِ مَا كَانَ مَكْتُوبًا وَلِذَلِكَ تَوَقَّفَ عَنْ كِتَابَةِ الْآيَةِ مِنْ آخِرِ سُورَةٍ بَرَاءَةٌ حَتَّى وَجَدَهَا مَكْتُوبَةً مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحْضِرُهَا هُوَ وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ وَإِذَا تَأَمَّلَ الْمُنْصِفُ مَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ ذَلِكَ جَزَمَ بِأَنَّهُ يُعَدُّ فِي فَضَائِلِهِ وَيُنَوِّهُ بِعَظِيمِ مَنْقَبَتِهِ لِثُبُوتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا فَمَا جَمَعَ الْقُرْآنَ أَحَدٌ بَعْدَهُ إِلَّا وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَدْ كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ مِنَ الِاعْتِنَاءِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَا اخْتَارَ مَعَه أَن يرد على بن الدِّغِنَّةِ جِوَارَهُ وَيَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْقِصَّةُ مَبْسُوطَةً فِي فَضَائِلِهِ وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ مَجْمُوعٌ فِي الصُّحُف فِي قَوْله يَتْلُو صحفا مطهرة الْآيَةَ وَكَانَ الْقُرْآنُ مَكْتُوبًا فِي الصُّحُفِ لَكِنْ كَانَتْ مُفَرَّقَةً فَجَمَعَهَا أَبُو بَكْرٍ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَهُ مَحْفُوظَةً إِلَى أَنْ أَمَرَ عُثْمَانُ بِالنَّسْخِ مِنْهَا فَنَسَخَ مِنْهَا عِدَّةَ مَصَاحِفَ وَأَرْسَلَ بِهَا إِلَى الْأَمْصَارِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَان ذَلِك قَوْله قَالَ زيد أَي بن ثَابِتٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَيْ قَالَ لِي إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ ذَكَرَ لَهُ أَرْبَعَ صِفَاتٍ مُقْتَضِيَةٍ خُصُوصِيَّتَهُ بِذَلِكَ كَوْنُهُ شَابًّا فَيَكُونُ أَنْشَطَ لِمَا يُطْلَبُ مِنْهُ وَكَوْنُهُ عَاقِلًا فَيَكُونُ أَوْعَى لَهُ وَكَوْنُهُ لَا يُتَّهَمُ فَتَرْكَنُ النَّفْسُ إِلَيْهِ وَكَوْنُهُ كَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مُمَارَسَةً لَهُ وَهَذِهِ الصِّفَاتُ الَّتِي اجْتَمَعَتْ لَهُ قَدْ تُوجد فِي غَيره لَكِن مفرقة وَقَالَ بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ أَصْلُ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِفْ زَيْدًا بِأَكْثَرَ مِنَ الْعَقْلِ وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِائْتِمَانِهِ وَرَفْعِ التُّهْمَةِ عَنْهُ كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ الْبَحْثِ فِيهِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمَّا إِذَا عَزَمْتَ عَلَى هَذَا فَأَرْسِلْ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَادْعُهُ فَإِنَّهُ كَانَ شَابًّا حَدَثًا نَقِيًّا يَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسِلْ إِلَيْهِ فَادْعُهُ حَتَّى يَجْمَعَهُ مَعَنَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَرْسَلَا إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُمَا فَقَالَا لِي إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَجْمَعَ الْقُرْآنَ فِي شَيْءٍ فَاجْمَعْهُ مَعَنَا وَفِي رِوَايَةِ عمَارَة بن غزيَّة فَقَالَ إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَجْمَعَ الْقُرْآنَ فِي شَيْءٍ فَاجْمَعْهُ مَعَنَا وَفِي رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ إِنَّ هَذَا دَعَانِي إِلَى أَمْرٍ وَأَنْتَ كَاتِبُ الْوَحْيِ فَإِنْ تَكُ مَعَهُ اتَّبَعْتُكُمَا وَإِنْ تُوَافِقْنِي لَا أَفْعَلُ فَاقْتَضَى قَوْلُ عُمَرَ فَنَفَرْتُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ كَلِّمْهُ وَمَا عَلَيْكُمَا لَوْ فَعَلْتُمَا قَالَ فَنَظَرْنَا فَقُلْنَا لَا شَيْءَ وَاللَّهِ مَا عَلَيْنَا قَالَ بن بَطَّالٍ إِنَّمَا نَفَرَ أَبُو بَكْرٍ أَوَّلًا ثُمَّ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ثَانِيًا لِأَنَّهُمَا لَمْ يَجِدَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ فَكَرِهَا أَنْ يُحِلَّا أَنْفُسَهُمَا مَحَلَّ مَنْ يَزِيدُ احْتِيَاطُهُ لِلدِّينِ عَلَى احْتِيَاطِ الرَّسُولِ فَلَمَّا نَبَّهَهُمَا عُمَرُ عَلَى فَائِدَةِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ خَشْيَةَ أَنْ يَتَغَيَّرَ الْحَالُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِذَا لَمْ يُجْمَعِ

الصفحة 13