كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)
(قَوْلُهُ بَابُ مَا يَحِلُّ مِنَ النِّسَاءِ وَمَا يَحْرُمُ)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ الْآيَةَ إِلَى عَلِيمًا حَكِيمًا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى قَوْلِهِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ ثُمَّ قَالَ إِلَى قَوْلِهِ عَلِيمًا حَكِيمًا وَذَلِكَ يَشْمَل الْآيَتَيْنِ فَإِن الأولى إِلَى قَوْلِهِ غَفُورًا رَحِيمًا قَوْلُهُ وَقَالَ أَنَسٌ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ الْحَرَائِرِ حَرَامٌ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ جَارِيَةً مِنْ عَبْدِهِ وَصَلَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُحْصَنَاتُ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ الْحَرَائِرِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانكُم فَإِذَا هُوَ لَا يَرَى بِمَا مَلَكَ الْيَمِينُ بَأْسًا أَنْ يَنْزِعَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ مِنْ عَبْدِهِ فيطأها وَأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ التَّيْمِيِّ بِلَفْظِ ذَوَاتِ الْبُعُولِ وَكَانَ يَقُولُ بَيْعُهَا طَلَاقُهَا وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحْصَنَاتِ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ يَعْنِي أَنَّهُنَّ حَرَامٌ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْله الا مَا ملكت ايمانكم الْمَسْبِيَّاتُ إِذَا كُنَّ مُتَزَوِّجَاتٍ فَإِنَّهُنَّ حَلَالٌ لِمَنْ سَبَاهُنَّ قَوْلُهُ وَقَالَ أَيْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجل وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن أَشَارَ بِهَذَا إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَى مَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْآيَتَيْنِ فَذَكَرَ الْمُشْرِكَةَ وَقَدِ اسْتُثْنِيَتِ الْكِتَابِيَّةُ وَالزَّائِدَةُ عَلَى الرَّابِعَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ الَّذِي فِي قَول بن الْعَبَّاسِ الَّذِي بَعْدَهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ حَصْرَ مَا فِي الْآيَتَيْنِ قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعٍ فَهُوَ حَرَامٌ كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ ايمانكم لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَوْقَ أَرْبَعِ نسْوَة فَمَا زَاد مِنْهُنَّ فهن عَلَيْهِ حَرَامٌ وَالْبَاقِي مِثْلُهُ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَوْلُهُ وَقَالَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا فِيمَا قِيلَ أَخَذَهُ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الْمُذَاكَرَةِ أَوِ الْإِجَازَةِ وَالَّذِي ظَهَرَ لِي بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّهُ إِنَّمَا اسْتَعْمَلَ هَذِهِ الصِّيغَةَ فِي الْمَوْقُوفَاتِ وَرُبَّمَا اسْتَعْمَلَهَا فِيمَا فِيهِ قُصُورٌ مَا عَنْ شَرْطِهِ وَالَّذِي هُنَا مِنَ الشِّقِّ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ لِلْمُصَنِّفِ فِي هَذَا الْكِتَابِ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَخْرَجَ عَنْهُ فِي آخِرِ الْمَغَازِي حَدِيثًا بِوَاسِطَةٍ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُكْثِرْ عَنْهُ لِأَنَّهُ فِي رِحْلَتِهِ الْقَدِيمَةِ لَقِيَ كَثِيرًا مِنْ مَشَايِخِ أَحْمَدَ فَاسْتَغْنَى بِهِمْ وَفِي رِحْلَتِهِ الْأَخِيرَةِ كَانَ أَحْمَدُ قَدْ قَطَعَ التَّحْدِيثَ فَكَانَ لَا يُحَدِّثُ إِلَّا نَادِرًا فَمِنْ ثَمَّ أَكْثَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ دُونَ أَحْمَدَ وَسُفْيَانُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ هُوَ الثَّوْرِيُّ وحبِيب هُوَ بن أَبِي ثَابِتٍ قَوْلُهُ حَرُمَ مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ وَمِنَ الصِّهْرِ سَبْعٌ فِي رِوَايَة بن مهْدي عَن سُفْيَان عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيِّ حَرُمَ عَلَيْكُمْ وَفِي لَفْظٍ حَرُمَتْ عَلَيْكُمْ قَوْله ثمَّ قَرَأَ حرمت عَلَيْكُم امهاتكم الْآيَةَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ سُفْيَانَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَرَأَ الْآيَتَيْنِ وَإِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِي التَّرْجَمَةِ إِلَى عَلِيمًا حَكِيمًا فَإِنَّهَا آخِرُ الْآيَتَيْنِ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عُمَيْر مولى بن عَبَّاس عَن بن عَبَّاسٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ ثُمَّ قَرَأَ حُرِّمَتْ عَلَيْكُم امهاتكم حَتَّى بلغ وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت ثُمَّ قَالَ هَذَا النَّسَبُ ثُمَّ قَرَأَ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي ارضعنكم حَتَّى بلغ وَأَن تجمعُوا بَين الاختين وَقَرَأَ وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاء فَقَالَ هَذَا الصِّهْرُ انْتَهَى فَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ كَانَتِ الْجُمْلَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً وَفِي تَسْمِيَةِ مَا هُوَ بِالرَّضَاعِ صِهْرًا تَجَوُزُ وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْغَيْرِ وَجَمِيعُهُنَّ عَلَى التَّأْبِيدِ إِلَّا الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَامْرَأَةِ الْغَيْرِ وَيَلْتَحِقُ بِمَنْ ذكر
الصفحة 154