كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)
(قَوْلُهُ بَابُ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِتَفْسِيرِ الرَّبِيبَةِ وَتَفْسِيرِ الْمُرَادِ بِالدُّخُولِ فَأَمَّا الرَّبِيبَةُ فَهِيَ بِنْتُ امْرَأَةِ الرَّجُلِ قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا مَرْبُوبَةٌ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ هُوَ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَأَمَّا الدُّخُولُ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِمَاعُ وَهُوَ أَصَحُّ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْمُرَادُ بِهِ الْخَلْوَةُ قَوْلُهُ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ الدُّخُولُ وَالْمَسِيسُ وَاللِّمَاسُ هُوَ الْجِمَاعُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَنْ وَصَلَهُ عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ الْمَائِدَةِ وَفِيهِ زِيَادَةٌ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ قَالَ بن عَبَّاسٍ الدُّخُولُ وَالتَّغَشِّي وَالْإِفْضَاءُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَالرَّفَثُ وَاللَّمْسُ الْجِمَاع الا أَن الله حَيّ كَرِيمٌ يَكُنِّي بِمَا شَاءَ عَمَّا شَاءَ قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ بَنَاتُ وَلَدِهَا هُنَّ مِنْ بَنَاتِهَا فِي التَّحْرِيمِ سَقَطَ مِنْ هُنَا إِلَى آخِرِ التَّرْجَمَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ السَّرَخْسِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ قَوْلُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ حَبِيبَةٍ إِلَخْ قَدْ وَصَلَهُ فِي الْبَابِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ بَنَاتِكُنَّ لِأَن بنت الِابْنَ بِنْتٌ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ حَلَائِلُ وَلَدِ الْأَبْنَاءِ هُنَّ حَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ أَيْ مِثْلُهُنَّ فِي التَّحْرِيمِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ بَنَاتُ الْأَبْنَاءِ وَبَنَاتُ الْبَنَاتِ قَوْلُهُ وَهَلْ تُسَمَّى الرَّبِيبَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِقَوْلِهِ فِي حُجُورِكُمْ هَلْ هُوَ لِلْغَالِبِ أَوْ يُعْتَبَرُ فِيهِ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْأَوَّلِ وَفِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاق وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ لِي فَمَاتَتْ فَوَجَدْتُ عَلَيْهَا فَلَقِيتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِي مَالك فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَلِهَا ابْنَةٌ يَعْنِي مِنْ غَيْرِكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ كَانَتْ فِي حِجْرِكَ قُلْتُ لَا هِيَ فِي الطَّائِفِ قَالَ فَانْكِحْهَا قُلْتُ فَأَيْنَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَرَبَائِبُكُمْ قَالَ إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِكَ وَقَدْ دَفَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا الْأَثَرَ وَادَّعَى نَفْيَ ثُبُوتِهِ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عُبَيْدٍ لَا يُعْرَفُ وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْأَثر الْمَذْكُور عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ وَإِبْرَاهِيمُ ثِقَةٌ تَابِعِيٌّ مَعْرُوفٌ وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ صَحَابِيَّانِ وَالْأَثَرُ صَحِيحٌ عَنْ عَلِيٍّ وَكَذَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَفْتَى مَنْ سَأَلَهُ إِذْ تَزَوَّجَ بِنْتَ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ جِدَّتُهَا وَلَمْ تَكُنِ الْبِنْتُ فِي حِجْرِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ الْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ فَقَدِ احْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ لِلْجُمْهُورِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ قَالَ نَعَمْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْحِجْرِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ الْحَادِثُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَنُدْرَةُ الْمُخَالِفِ لَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّ التَّحْرِيمَ جَاءَ مَشْرُوطًا بِأَمْرَيْنِ أَنْ تَكُونَ فِي الْحِجْرِ وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي يُرِيدُ التَّزْوِيجَ قَدْ دَخَلَ بِالْأُمِّ فَلَا تَحْرُمُ بِوُجُودِ أَحَدِ الشَّرْطَيْنِ
الصفحة 158