كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)
إِلَى صِحَّتِهِ وَوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ قَوْلٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّ النِّسَاءَ مُحَرَّمَاتٌ إِلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ أَوْ مِلْكَ يَمِينٍ فَإِذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ نِكَاحٍ تَأَكَّدَ التَّحْرِيمُ تَنْبِيهٌ ذِكْرُ الْبِنْتِ فِي تَفْسِيرِ الشِّغَارِ مِثَالٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ذِكْرُ الْأُخْتِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْبَنَاتِ مِنَ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتِ الْأَخِ وَغَيْرِهِنَّ كالبنات فِي ذَلِك وَالله أعلم
(قَوْلُهُ بَابُ هَلْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا لِأَحَدٍ أَيْ فَيَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا بِذَلِكَ)
وَهَذَا يَتَنَاوَلُ صُورَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مُجَرَّدُ الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ ذكر مهر وَالثَّانِي الْعَقْدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ فَالصُّورَةُ الْأُولَى ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ وَأَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَلَكِنْ قَالُوا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ تَزَوَّجَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَشَرَطَ أَنْ لَا مَهْرَ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى خَالِصَة لَك من دون الْمُؤمنِينَ فَعَدُّوا ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ يَتَزَوَّجُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ وَأَجَابَ الْمُجِيزُونَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْوَاهِبَةَ تَخْتَصُّ بِهِ لَا مُطْلَقُ الْهِبَةِ وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَطَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِلَفْظِ النِّكَاحِ أَوِ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُمَا الصَّرِيحَانِ اللَّذَانِ وَرَدَ بِهِمَا الْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ بِالْكِنَايَاتِ وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لَهُمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِصَرَائِحِهِ وَبِكِنَايَاتِهِ مَعَ الْقَصْد
[5113] قَوْله حَدثنَا هِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَتْ خَوْلَةُ هَذَا مُرْسَلٌ لِأَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يُدْرِكِ زَمَنَ الْقِصَّةِ لَكِنَّ السِّيَاقَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَقِبَ هَذِهِ الطَّرِيقِ رِوَايَةَ مَنْ صَرَّحَ فِيهِ بِذِكْرِ عَائِشَةَ تَعْلِيقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ كَذَلِكَ مَوْصُولًا قَوْلُهُ بِنْتُ حَكِيم أَي بن أُمَيَّةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السِّلَمِيَّةُ وَكَانَتْ زَوْجَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَهِيَ مِنَ السَّابِقَاتِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأُمُّهَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ قَوْلُهُ مِنَ اللَّائِي وَهَبْنَ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ الْمَذْكُورَةِ قَالَتْ كُنْتُ أَغَارُ مِنَ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ وَهَذَا يُشْعِرُ بِتَعَدُّدِ الْوَاهِبَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُنَّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبِ الْآتِي ذِكْرُهَا فِي الْمُعَلَّقَاتِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى تَأْوِيلِ أَنَّهَا السَّابِقَةُ إِلَى ذَلِكَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي لَا تَقْتَضِي الْحَصْرَ الْمُطْلَقَ قَوْلُهُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَمَا تَسْتَحِي الْمَرْأَةُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ الْمَوْصُولَةِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُعَيِّرُ اللَّائِي وَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ قَوْلُهُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا زَادَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ بِغَيْرِ صَدَاقٍ قَوْله فَلَمَّا نزلت ترجئ من تشَاء فِي رِوَايَةِ عَبَدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ترجئ وَهَذَا
الصفحة 164