كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)

أَظْهَرُ فِي أَنَّ نُزُولَ الْآيَةِ بِهَذَا السَّبَبِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ حَمَلَتْ عَائِشَةَ عَلَى هَذَا التَّقْبِيحِ الْغَيْرَةُ الَّتِي طُبِعَتْ عَلَيْهَا النِّسَاءُ وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لِنَبِيِّهِ ذَلِكَ وَأَنَّ جَمِيعَ النِّسَاءِ لَوْ مُلِكْنَ لَهُ رِقَّهُنَّ لَكَانَ قَلِيلًا قَوْلُهُ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ إِنِّي لِأَرَى رَبَّكَ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ أَيْ فِي رِضَاكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا قَوْلٌ أَبْرَزَهُ الدَّلَالُ وَالْغَيْرَةُ وَهُوَ مِنْ نَوْعِ قَوْلِهَا مَا أَحْمد كَمَا وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ وَإِلَّا فَإِضَافَةُ الْهَوَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى وَلَا يَفْعَلُ بِالْهَوَى وَلَوْ قَالَتْ إِلَى مَرْضَاتِكَ لَكَانَ أَلْيَقَ وَلَكِنَّ الْغَيْرَةَ يُغْتَفَرُ لِأَجْلِهَا إِطْلَاقُ مِثْلِ ذَلِكَ قَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبُ وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَعَبَدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَمَّا رِوَايَةُ أَبِي سَعِيدٍ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بن مُسلم بن أبي الوضاح فوصلها بن مَرْدَوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ عَنْهُ مُخْتَصَرًا كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ قَالَتِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ حَسْبُ وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ فَوَصَلَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْهُ بِتَمَامِ الْحَدِيثِ وَقَدْ بَيَّنْتُ مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةٍ وَفَائِدَةٍ وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبَدَةَ وَهُوَ بن سُلَيْمَان فوصلها مُسلم وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِهِ وَهِيَ نَحْوُ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن بشر 3

(قَوْلُهُ بَابُ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ)
كَأَنَّهُ يَحْتَجُّ إِلَى الْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَابِ شَيْئًا غير حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَ الْمَنْعِ كَأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ عَلَى شَرْطِهِ

[5114] قَوْلُهُ أخبرنَا عَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ قَوْلُهُ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ مِنْ طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَفِي رِوَايَة عَطاء الْمَذْكُورَة عَن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ فَأَنْكَحَهَا إِيَّاهُ وَتَقَدَّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بِلَفْظِ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ وَزَاد وبنا بِهَا وَهِيَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ قَالَ الْأَثْرَمُ قُلْتُ لِأَحْمَدَ إِنَّ أَبَا ثَوْرٍ يَقُولُ بِأَيِّ شَيْء يدْفع حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَيْ مَعَ صِحَّتِهِ قَالَ فَقَالَ اللَّهُ الْمُسْتَعَان بن الْمسيب يَقُول وهم بن عَبَّاسٍ وَمَيْمُونَةُ تَقُولُ تَزَوَّجَنِي وَهُوَ حَلَالٌ اه وَقد عَارض حَدِيث بن عَبَّاسٍ حَدِيثُ عُثْمَانَ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ بن عَبَّاس يحمل حَدِيث بن عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي هَذَا الْحُكْمِ لَكِنَّ الرِّوَايَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ جَاءَتْ من طرق شَتَّى وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَكِنَّ الْوَهْمَ إِلَى الْوَاحِدِ أَقْرَبُ إِلَى الْوَهْمِ مِنَ الْجَمَاعَةِ فَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْخَبَرَيْنِ أَنْ يَتَعَارَضَا فَتُطْلَبُ الْحُجَّةُ مِنْ غَيْرِهِمَا وَحَدِيثُ عُثْمَانَ صَحِيحٌ فِي مَنْعِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اه وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ مُلَخَّصًا وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ حَدِيثَ عُثْمَانَ عَلَى الْوَطْءِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهِ لَا يَنْكِحُ بِفَتْحِ أَوله لَا يُنْكَحُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَلَا يَخْطُبُ وَوَقَعَ فِي صَحِيح بن حِبَّانَ زِيَادَةٌ وَلَا يُخْطَبُ عَلَيْهِ وَيَتَرَجَّحُ حَدِيثُ عُثْمَان بِأَنَّهُ تقعيد قَاعِدَة وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ وَاقِعَةُ عَيْنٍ تَحْتَمِلُ أَنْوَاعًا مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ فَمِنْهَا أَن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ يَصِيرُ مُحْرِمًا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ عَنْهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَلَّدَ الْهَدْيَ فِي عُمْرَتِهِ تِلْكَ الَّتِي تَزَوَّجَ فِيهَا مَيْمُونَةَ فَيَكُونُ

الصفحة 165