كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)

إِطْلَاقُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَيْ عَقَدَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ قَلَّدَ الْهَدْي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَلَبَّسَ بِالْإِحْرَامِ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَرْسَلَ إِلَيْهَا أَبَا رَافِعٍ يَخْطُبُهَا فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى الْعَبَّاسِ فَزَوَّجَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْتُ أَنَا الرَّسُولُ بَيْنَهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَطَرٍ وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ مُرْسلا وَمِنْهَا أَن قَول بن عَبَّاسٍ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَيْ دَاخِلَ الْحَرَامِ أَوْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ قَالَ الْأَعْشَى قَتَلُوا كِسْرَى بِلَيْلٍ مُحْرِمًا أَيْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَام وَقَالَ آخر قتلوا بن عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا أَيْ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَإِلَى هَذَا التَّأْوِيل جنح بن حِبَّانَ فَجَزَمَ بِهِ فِي صَحِيحِهِ وَعَارَضَ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ أَيْضًا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ قَالَ وَكَانَت خَاله كَمَا كَانَت خَالَة بن عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَال قَالَ وَكَانَت خَالَتِي وَخَالَة بن عَبَّاس وَأما أثر بن الْمُسَيَّبِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطاء عَن بن عَبَّاسٍ الْحَدِيثَ قَالَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ذهل بن عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَتْ خَالَتَهُ مَا تَزَوَّجَهَا إِلَّا بعد مَا أَحَلَّ قَالَ الطَّبَرِيُّ الصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا أَنَّ نِكَاحَ الْمُحْرِمِ فَاسِدٌ لِصِحَّةِ حَدِيثِ عُثْمَانَ وَأَمَّا قِصَّةُ مَيْمُونَةَ فَتَعَارَضَتِ الْأَخْبَارَ فِيهَا ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ قَالَ أُنْبِئْتُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي زَوَاجِ مَيْمُونَةَ إِنَّمَا وَقَعَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعَثَ إِلَى الْعَبَّاسِ لِيُنْكِحَهَا إِيَّاهُ فَأَنْكَحَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْكَحَهَا قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بعد مَا أَحْرَمَ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا وَغَيْرَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ فَرَّقُوا بَيْنَ مُحْرِمٍ نَكَحَ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَلَا يَكُونُ هَذَا إِلَّا عَنْ ثَبْتٍ تَنْبِيه قدمت فِي الْحَج أَن حَدِيث بن عَبَّاسٍ جَاءَ مِثْلُهُ صَحِيحًا عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْبَزَّارُ من طَرِيق مَسْرُوق عَنْهَا وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَأَكْثَرُ مَا أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِحٍ فِيهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَنْبَأَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأسود عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قُلْتُ لِأَبِي عَاصِمٍ أَنْتَ أَمْلَيْتَ عَلَيْنَا مِنَ الرُّقْعَةِ لَيْسَ فِيهِ عَائِشَةُ فَقَالَ دَعْ عَائِشَةَ حَتَّى أَنْظُرَ فِيهِ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ لَوْلَا هَذِهِ الْقِصَّةُ لَكِنْ هُوَ شَاهِدٌ قَوِيٌّ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ وَفِيهِ ضعف لكنه يعتضد بحديثي بن عَبَّاس وَعَائِشَة وَفِيه رد على قَول بن عبد الْبر أَن بن عَبَّاسٍ تَفَرَّدَ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَجَاءَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ مُرْسَلًا مِثْلُهُ أَخْرَجَهُمَا بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَهَلْ هُوَ إِلَّا كَالْبَيْعِ وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ لَكِنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابِلِ النَّصِّ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَكَأَنَّ أَنَسًا لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ عُثْمَان

الصفحة 166