كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)

النَّاسِ فِيهِ احْتِرَاسٌ بَلِيغٌ لِئَلَّا يُتَخَيَّلُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ أَنَّ الْأَجْوَدِيَّةَ خَاصَّةٌ مِنْهُ بِرَمَضَانَ فِيهِ فَأَثْبَتَ لَهُ الْأَجْوَدِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ أَوَّلًا ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهَا زِيَادَةَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ قَوْلُهُ وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي ضَبْطِ أَجْوَدُ أَنَّهُ بِالرَّفْعِ وَأَنَّ النَّصْبَ مُوَجَّهٌ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِمَّا تُؤَيِّدُ الرَّفْعَ قَوْلُهُ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَلْقَاهُ فِيهِ بَيَانُ سَبَبِ الْأَجْوَدِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ أَبْيَنُ مِنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ قَوْلُهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ أَيْ رَمَضَانُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ يَلْقَاهُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ رَمَضَانَ مُنْذُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِرَمَضَانَاتِ الْهِجْرَةِ وَإِنْ كَانَ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّمَا فُرِضَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ لِأَنَّهُ كَانَ يُسَمَّى رَمَضَانَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ صِيَامُهُ قَوْلُهُ يَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآن هَذَا عَكْسُ مَا وَقَعَ فِي التَّرْجَمَةِ لِأَنَّ فِيهَا أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْرِضُ عَلَى جِبْرِيلَ وَتَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ يَعْرِضُ عَلَى الْآخَرِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ آخِرَ أَحَادِيثِ الْبَابِ كَمَا سَأُوَضِّحُهُ وَفِي الْحَدِيثِ إِطْلَاقُ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضِهِ وَعَلَى مُعْظَمِهِ لِأَنَّ أَوَّلَ رَمَضَانَ مِنْ بَعْدِ الْبَعْثَةِ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا بَعْضَهُ ثُمَّ كَذَلِكَ كُلُّ رَمَضَانَ بَعْدَهُ إِلَى رَمَضَانَ الْأَخِيرِ فَكَانَ قَدْ نَزَلَ كُلُّهُ إِلَّا مَا تَأَخَّرَ نُزُولُهُ بَعْدَ رَمَضَانَ الْمَذْكُورِ وَكَانَ فِي سَنَةِ عَشْرٍ إِلَى أَنْ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمِمَّا نَزَلَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينكُمْ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَكَأَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَمَّا كَانَ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا تَقَدَّمَ اغْتُفِرَ أَمْرُ مُعَارَضَتِهِ فَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ عَلَى الْبَعْضِ مَجَازًا وَمِنْ ثَمَّ لَا يَحْنَث من حلف لِيُقِر أَن الْقُرْآنَ فَقَرَأَ بَعْضَهُ إِلَّا إِنْ قَصَدَ الْجَمِيعَ وَاخْتُلِفَ فِي الْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ هَلْ كَانَتْ بِجَمِيعِ الْأَحْرُفِ الْمَأْذُونِ فِي قِرَاءَتِهَا أَوْ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَعَلَى الثَّانِي فَهَلْ هُوَ الْحَرْفُ الَّذِي جَمَعَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ جَمِيعَ النَّاسِ أَوْ غَيْرُهُ وَقد روى أَحْمد وبن أَبِي دَاوُدَ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدَةَ بْنِ عَمْرٍو السَّلْمَانِيِّ أَنَّ الَّذِي جَمَعَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ النَّاسَ يُوَافِقُ الْعَرْضَةَ الْأَخِيرَةَ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ كَانَ جِبْرِيلُ يُعَارِضُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقُرْآنِ الْحَدِيثَ نَحْوَ حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَيَرَوْنَ أَنَّ قِرَاءَتَنَا أَحْدَثُ الْقِرَاءَاتِ عَهْدًا بِالْعَرْضَةِ الْأَخِيرَةِ وَعِنْدَ الْحَاكِمِ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَدْ صَحَّحَهُ هُوَ وَلَفْظُهُ عُرِضَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرْضَاتٍ وَيَقُولُونَ إِنَّ قِرَاءَتَنَا هَذِهِ هِيَ الْعَرْضَةُ الْأَخِيرَةُ وَمِنْ طَرِيق مُجَاهِد عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَرَوْنَ كَانَ آخِرَ الْقِرَاءَةِ قَالُوا قِرَاءَةُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَالَ لَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ عَلَى جِبْرِيلَ فَلَمَّا كَانَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا عرضه عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ وَكَانَت قِرَاءَة بن مَسْعُودٍ آخِرُهُمَا وَهَذَا يُغَايِرُ حَدِيثَ سَمُرَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ وَعِنْدَ مُسَدَّدٍ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَن بن عَبَّاسٍ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ الْحَرْفُ الْأَوَّلُ فَقَالَ مَا الْحَرْفُ الْأَوَّلُ قَالَ إِنَّ عُمَرَ بَعَثَ بن مَسْعُودٍ إِلَى الْكُوفَةِ مُعَلِّمًا فَأَخَذُوا بِقِرَاءَتِهِ فَغَيَّرَ عُثْمَان الْقِرَاءَة فهم يدعونَ قِرَاءَة بن مَسْعُود الْحَرْف الأول فَقَالَ بن عَبَّاسٍ إِنَّهُ لَآخِرُ حَرْفٍ عَرَضَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِبْرِيلَ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ظَبْيَانَ قَالَ قَالَ لي بن عَبَّاسٍ أَيُّ الْقِرَاءَتَيْنِ تَقْرَأُ قُلْتُ الْقِرَاءَةَ الْأُولَى قِرَاءَة بن أُمِّ عَبْدٍ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ بَلْ هِيَ الْأَخِيرَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْرِضُ

الصفحة 44