كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)

تعود مريا فَقَالَ بن شِهَابٍ شَهِدْتُ قَبِيصَةَ يَنْهَى أَنْ يُجْعَلَ الْخَمْرُ مُرْيًا إِذَا أُخِذَ وَهُوَ خَمْرٌ قُلْتُ وَقَبِيصَةُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ وَوُلِدَ هُوَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ لِذَلِكَ وَهَذَا يُعَارِضُ أَثَرَ أَبِي الدَّرْدَاءِ الْمَذْكُورَ وَيُفَسِّرُ الْمُرَادَ بِهِ وَالنِّينَانُ بِنُونَيْنِ الْأُولَى مَكْسُورَةٌ بَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ جَمْعُ نُونٍ وَهُوَ الْحُوتُ وَالْمُرْيُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ وَضُبِطَ فِي النِّهَايَةِ تَبَعًا لِلصِّحَاحِ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ نِسْبَةً إِلَى الْمُرِّ وَهُوَ الطَّعْمُ الْمَشْهُورُ وَجَزَمَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ بِالْأَوَّلِ وَنَقَلَ الْجَوَالِيقِيُّ فِي لَحْنِ الْعَامَّةِ أَنَّهُمْ يُحَرِّكُونَ الرَّاءَ وَالْأَصْلُ بِسُكُونِهَا ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ جَيْشِ الْخَبَطِ مِنْ طَرِيقَيْنِ إِحْدَاهمَا رِوَايَة بن جريج أَخْبرنِي عَمْرو وَهُوَ بن دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي الْمَغَازِي وَزَادَ هُنَاكَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَتَقَدَّمَتْ مَشْرُوحَةً مَعَ شَرْحِ سَائِرِ الْحَدِيثِ الطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ رِوَايَةُ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَيْضًا وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَكَانَ فِينَا رَجُلٌ نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي الْمَغَازِي وَكَانَ اشْتَرَى الْجُزُرَ مِنْ أَعْرَابِيٍّ جُهَنِيٍّ كُلُّ جَزُورٍ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ يُوفِيهِ إِيَّاهُ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ ذَلِكَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ سَأَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ أَنْ يَنْهَى قَيْسًا عَنِ النَّحْرِ فَعَزَمَ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ أَنْ يَنْتَهِيَ عَنْ ذَلِكَ فَأَطَاعَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ هُنَاكَ أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ جَزَائِرَ جَمْعُ جَزُورٍ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ جَزَائِرَ جَمْعُ جَزِيرَةٍ وَالْجَزُورُ إِنَّمَا يُجْمَعُ عَلَى جُزُرٍ بِضَمَّتَيْنِ فَلَعَلَّهُ جَمْعُ الْجَمْعِ وَالْغَرَضُ مِنْ إِيرَادِهِ هُنَا قِصَّةُ الْحُوتِ فَإِنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْهَا جَوَازُ أَكْلِ مَيْتَةِ الْبَحْرِ لِتَصْرِيحِهِ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ وَتَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْهُ وَبِهَذَا تَتِمُّ الدَّلَالَةُ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ أَكْلِ الصَّحَابَةِ مِنْهُ وَهُمْ فِي حَالَةِ الْمَجَاعَةِ قَدْ يُقَالُ إِنَّهُ لِلِاضْطِرَارِ وَلَا سِيَّمَا وَفِيهِ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ لَا بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا وَهَذِهِ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَتَقَدَّمَتْ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمَغَازِي مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كُلُوا وَلَمْ يَذْكُرْ بَقِيَّتَهُ وَحَاصِلُ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ بَنَاهُ أَوَّلًا عَلَى عُمُومِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ تَخْصِيصَ الْمُضْطَرِّ بِإِبَاحَةِ أَكْلِهَا إِذَا كَانَ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ وَهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي طَاعَةِ رَسُولِهِ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ آخِرِ الْحَدِيثِ أَنَّ جِهَةَ كَوْنِهَا حَلَالًا لَيْسَتْ سَبَبَ الِاضْطِرَارِ بَلْ كَوْنُهَا مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَفِي آخِرِهِ عِنْدَهُمَا جَمِيعًا فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ بِعُضْوٍ فَأَكَلَهُ فَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ حَلَالٌ مُطْلَقًا وَبَالَغَ فِي الْبَيَانِ بِأَكْلِهِ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ إِبَاحَةُ مَيْتَةِ الْبَحْرِ سَوَاءً مَاتَ بِنَفْسِهِ أَو مَاتَ بِالِاصْطِيَادِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ يُكْرَهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ مَا لَفَظَهُ فَمَاتَ وَبَيْنَ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ آفَةٍ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ قَالَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَأَيُّوبُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفًا وَقَدْ أُسْنِدَ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيف عَن بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَيُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافُهُ اه وَيَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ صَدُوقٌ وَصَفُوهُ بِسُوءِ الْحِفْظِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ إِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ فَحَدِيثُهُ حَسَنٌ وَإِذَا حَدَّثَ حِفْظًا يُعْرَفُ وَيُنْكَرُ وَقَالَ أَبُو حَازِم لم يكن بِالْحَافِظِ وَقَالَ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَانَ يُخْطِئُ وَقَدْ تُوبِعَ عَلَى رَفْعِهِ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنِ

الصفحة 618