كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)

الْبَابِ وَإِذَا أُبِيحَتْ ذَبَائِحُهُمْ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى قَصْدِهِمْ أَجْزَاءَ الْمَذْبُوحِ وَالتَّذْكِيَةُ لَا تَقَعُ عَلَى بَعْضِ أَجْزَاءِ الْمَذْبُوحِ دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ كَانَتِ التَّذْكِيَةُ شَائِعَةً فِي جَمِيعِهَا دَخَلَ الشَّحْمُ لَا مَحَالَةَ وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَصَّ بِأَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ كُلَّ ذِي ظُفُرٍ فَكَانَ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّ الْيَهُودِيَّ إِذَا ذَبَحَ مَا لَهُ ظُفُرٌ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَكْلُهُ وَأَهْلُ الْكِتَابِ أَيْضًا يُحَرِّمُونَ أَكْلَ الْإِبِلِ فَيَقَعُ الْإِلْزَامُ كَذَلِكَ قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى أحل لكم الطَّيِّبَات كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ غَيْرُهُ إِلَى قَوْلِهِ حل لَهُم وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يَتَبَيَّنُ مُرَادُهُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْحِلِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ ذِمِّيًّا مِنْ حَرْبِيٍّ وَلَا خَصَّ لَحْمًا مِنْ شَحْمٍ وَكَوْنُ الشُّحُومِ مُحَرَّمَةً عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْنَا وَغَايَتُهُ بَعْدَ أَنْ يَتَقَرَّرَ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ لَنَا حَلَالٌ أَنَّ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا مَسْكُوتٌ فِي شَرْعِنَا عَنْ تَحْرِيمِهِ عَلَيْنَا فَيَكُونُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ قَوْلُهُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ نَصَارَى الْعَرَبِ وَإِنْ سَمِعْتَهُ يُهِلُّ لِغَيْرِ اللَّهِ فَلَا تَأْكُلْ وَإِنْ لَمْ تَسْمَعْهُ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكَ وَعَلِمَ كُفْرَهُمْ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ قَالَ وَإِهْلَالُهُ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ الْمَسِيحِ وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ كَانَ لَهُمْ ذَبْحٌ يُسَمُّونَ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ مِثْلَ اسْمِ الْمَسِيحِ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ ذَكَرَ الْمَسِيحَ عَلَى مَعْنَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لَمْ يَحْرُمْ وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَلِيمِيِّ بَحْثًا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ إِنَّمَا يَذْبَحُونَ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ لَا يَقْصِدُونَ بِعِبَادَتِهِمْ إِلَّا اللَّهَ فَإِذَا كَانَ قَصْدُهُمْ فِي الْأَصْلِ ذَلِكَ اعْتُبِرَتْ ذَبِيحَتُهُمْ وَلَمْ يَضُرَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ مَثَلًا بِاسْمِ الْمَسِيحِ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا اللَّهَ وَإِنْ كَانَ قَدْ كَفَرَ بِذَلِكَ الِاعْتِقَادِ قَوْلُهُ وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ وَصَلَهُ وَكَأَنَّهُ لَا يَصح عَنهُ وَلذَلِك ذكره بِصِيغَة التمريض بَلْ قَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ صَحِيحٍ الْمَنْعُ مِنْ ذَبَائِحِ بَعْضِ نَصَارَى الْعَرَبِ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيَّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا مِنْ دِينِهِمْ إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ لِأَنَّ مَنْعَ الَّذِي مَنَعَهُ فِيهِ أَخَصُّ مِنَ الَّذِي نُقِلَ فِيهِ عَنْهُ الْجَوَازُ قَوْلُهُ وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ الْأَقْلَفِ بِالْقَافِ ثُمَّ الْفَاءِ هُوَ الَّذِي لَمْ يُخْتَنْ وَالْقُلْفَةُ بِالْقَافِ وَيُقَالُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْغُرْلَةُ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تَسْتُرُ الْحَشَفَةَ وَأَثَرُ الْحَسَنِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ كَانَ الْحسن يرخص فِي الرجل إِذا أسلم بعد مَا يَكْبَرُ فَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ إِنِ اخْتُتِنَ أَنْ لَا يُخْتَتَنَ وَكَانَ لَا يَرَى بِأَكْلِ ذَبِيحَتِهِ بَأْسًا وَأَمَّا أَثَرُ إِبْرَاهِيمَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ الْأَقْلَفِ وَقَدْ وَرَدَ مَا يُخَالِفُهُ فَأخْرج بن الْمُنْذر عَن بن عَبَّاسٍ الْأَقْلَفُ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَلَا تُقْبَلُ صلَاته وَلَا شَهَادَته وَقَالَ بن الْمُنْذِرِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ تَجُوزُ ذَبِيحَتُهُ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْهُم من لَا يختتن قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاسٍ طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ كَذَا ثَبَتَ هَذَا التَّعْلِيقُ هُنَا عِنْدَ الْمُسْتَمْلِي وَثَبَتَ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ وَالْحَمَوِيِّ فِي آخِرِ الْبَابِ عَقِبَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ وَهُوَ مَوْصُولٌ عِنْدَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكتاب حل لكم قَالَ ذَبَائِحُهُمْ وَقَائِلُ هَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيزَ ذَبِيحَةَ الْأَقْلَفِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يُخْتَتَنُونَ وَقَدْ خَاطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِرَقْلَ وَقَوْمَهُ بِقَوْلِهِ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَهِرَقْلُ وَقَوْمُهُ مِمَّنْ لَا يُخْتَتَنُ وَقَدْ سُمُّوا أَهْلَ الْكِتَابِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ بِنُونٍ وَزَايٍ أَيْ وَثَبْتُ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَبَدَرْتُ أَيْ سَارَعْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَبَاحِثُهُ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ مَا حرم

الصفحة 637