كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)

الشَّخْصُ الْوَاحِدُ يُنْسَبُ إِلَى تَيْمِ اللَّهِ وَإِلَى جَرْمٍ وَلَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ بَلْ قَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ هُوَ الْعَدَنِيُّ عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ يُقَالُ لَهُ زَهْدَمٌ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَأَتَى بِلَحْمِ دَجَاجٍ فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّ زَهْدَمًا كَانَ تَارَةً يُنْسَبُ إِلَى بَنِي جَرْمٍ وَتَارَةً إِلَى بَنِي تَيْمِ اللَّهِ وَجَرْمٌ قَبِيلَةٌ فِي قُضَاعَةَ يُنْسَبُونَ إِلَى جرم بن زبان بزاي وموحدة ثَقيلَة بن عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ وَتَيْمُ اللَّهِ بَطْنٌ مِنْ بَنِي كَلْبٍ وَهُمْ قَبِيلَةٌ فِي قُضَاعَةَ أَيْضًا يُنْسَبُونَ إِلَى تَيْمِ اللَّهِ بْنِ رفيدة برَاء وَفَاء مُصَغرًا بن ثَوْرِ بْنِ كَلْبِ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ فَحُلْوَانُ عَمُّ جَرْمٍ قَالَ الرَّشَاطِيُّ فِي الْأَنْسَابِ وَكَثِيرًا مَا يَنْسُبُونَ الرَّجُلَ إِلَى أَعْمَامِهِ قُلْتُ وَرُبَّمَا أَبْهَمَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ فَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يَكُونَ زَهْدَمٌ صَاحِبَ الْقِصَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْفِرْيَابِيِّ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَى زَهْدَمٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى يَأْكُلُ الدَّجَاجَ فَدَعَانِي فَقُلْتُ إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ نَتِنًا قَالَ ادْنُهُ فَكُلْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ وَمِنْ طَرِيقِ الصَّعْقِ بْنِ حَزْنٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ فَقَالَ ادْنُ فَكُلْ فَقُلْتُ إِنِّي حَلَفْتُ لَا آكُلُهُ الْحَدِيثَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُوسَى عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخٍ عَنِ الصَّعْقِ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زَهْدَمٍ نَحْوَهُ وَقَالَ فِيهِ فَقَالَ لِي ادْنُ فَكُلْ فَقُلْتُ إِنِّي لَا أُرِيدُهُ الْحَدِيثَ فَهَذِهِ عِدَّةُ طُرُقٍ صَرَّحَ زَهْدَمٌ فِيهَا بِأَنَّهُ صَاحِبُ الْقِصَّةِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ إِلَّا مَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا ظَاهِرُهُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ زَهْدَمٍ وَالْمُمْتَنِعِ مِنْ أَكْلِ الدَّجَاجِ فَفِي رِوَايَةٍ عَنْ زَهْدَمٍ كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ شَبِيهٌ بِالْمَوَالِي فَقَالَ هَلُمَّ فَتَلَكَّأَ الْحَدِيثَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الدَّاخِلَ دَخَلَ وَزَهْدَمٌ جَالِسٌ عِنْدَ أَبِي مُوسَى لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ زَهْدَمٍ بِقَوْلِهِ كُنَّا قَوْمَهُ الَّذِينَ دَخَلُوا قَبْلَهُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهَذَا مَجَازٌ قَدِ اسْتَعْمَلَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ كَقَوْلِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ خَطَبَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَيْ خَطَبَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَلَمْ يُدْرِكْ ثَابِتٌ خُطْبَةَ عِمْرَانَ الْمَذْكُورَةَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ زَهْدَمٌ دَخَلَ فَجَرَى لَهُ مَا ذَكَرَ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَبْهَمَ نَفْسَهُ وَلَا عَجَبَ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ إِنِّي رَأَيْتُهَا تَأْكُلُ قَذِرًا وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا أَكْثَرَتْ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ صَارَتْ جَلَّالَةً فَبَيَّنَ لَهُ أَبُو مُوسَى أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ أَوْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ تِلْكَ الدَّجَاجَةِ الَّتِي رَآهَا كَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ الدَّجَاجِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ فَقَالَ ادْنُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ الدُّنُوِّ وَوَقَعَ عِنْدَ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ إِذًا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَعَ التَّنْوِينِ حَرْفُ نَصْبٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ أُخْبِرْكَ مَجْزُومٌ وَعَلَى الثَّانِي هُوَ مَنْصُوبٌ وَقَوْلُهُ أَوْ أُحَدِّثْكَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَوْلُهُ إِنِّي أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَقَوْلُهُ فَأَعْطَانَا خَمْسَ ذَوْدٍ غُرَّ الذُّرَى الْغُرُّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ أَغَرَّ وَالْأَغَرُّ الْأَبْيَضُ وَالذُّرَى بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَصْرِ جَمْعُ ذِرْوَةٍ وَذِرْوَةُ كُلِّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ وَالْمُرَادُ هُنَا أَسْنِمَةُ الْإِبِلِ وَلَعَلَّهَا كَانَتْ بَيْضَاءَ حَقِيقَةً أَوْ أَرَادَ وَصْفَهَا بِأَنَّهَا لَا عِلَّةَ فِيهَا وَلَا دَبَرَ وَيَجُوزُ فِي غُرٍّ النَّصْبُ وَالْجَرُّ وَقَوْلُهُ خَمْسُ ذَوْدٍ كَذَا وَقَعَ بِالْإِضَافَةِ وَاسْتَنْكَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فِي غَرِيبِهِ قَالَ وَالصَّوَابُ تَنْوِينُ خَمْسٍ وَأَنْ يَكُونَ ذَوْدٌ بَدَلًا مِنْ خَمْسٍ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ لَتَغَيَّرَ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْعَدَدَ الْمُضَافَ غَيْرُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ خَمْسُ ذَوْدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا لِأَنَّ الْإِبِلَ الذَّوْدَ ثَلَاثَةٌ انْتَهَى وَمَا أَدْرِي كَيْفَ يُحْكَمُ بِفَسَادِ الْمَعْنَى إِذَا كَانَ الْعَدَدُ كَذَا وَلْيَكُنْ عَدَدُ الْإِبِلِ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا فَمَا الَّذِي يَضُرُّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ خُذْ هَذَيْنِ

الصفحة 647