كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)

الذَّالِ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ وَالْإِطْلَاقِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا هُنَا وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْأَذَنِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ وَقَوْلُهُ أَذِنَ أَيِ اسْتَمَعَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَفْظَ أَذِنَ بِفَتْحَةٍ ثُمَّ كَسْرَةٍ فِي الْمَاضِي وَكَذَا فِي الْمُضَارِعِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْإِطْلَاقِ وَالِاسْتِمَاعِ تَقُولُ أَذِنْتُ آذَنُ بِالْمَدِّ فَإِنْ أَرَدْتَ الْإِطْلَاقَ فَالْمَصْدَرُ بِكَسْرَةٍ ثُمَّ سُكُونٍ وَإِنْ أَرَدْتَ الِاسْتِمَاعَ فَالْمَصْدَرُ بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ أَيُّهَا الْقَلْبُ تَعَلَّلْ بِدَدَنْ إِنَّ هَمِّي فِي سَمَاعٍ وَأَذَنْ أَيْ فِي سَمَاعٍ وَاسْتِمَاعٍ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَصْلُ الْأَذَنِ بِفَتْحَتَيْنِ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ يَمِيلُ بِأُذُنِهِ إِلَى جِهَةِ مَنْ يَسْمَعُهُ وَهَذَا الْمَعْنَى فِي حَقِّ اللَّهِ لَا يُرَادُ بِهِ ظَاهِرُهُ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ عَلَى مَا جَرَى بِهِ عُرْفُ الْمُخَاطَبِ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى إِكْرَامُ الْقَارِئِ وَإِجْزَالُ ثَوَابِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَمَرَةَ الْإِصْغَاءِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا أَذِنَ لِشَيْءٍ كأذنه بِفتْحَتَيْنِ وَمثله عِنْد بن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي سَلمَة وَعند أَحْمد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَشَدُّ أَذَنًا إِلَى الرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ قُلْتُ وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَيْسَ مَا أَنْكَرَهُ بن الْجَوْزِيِّ بِمُنْكَرٍ بَلْ هُوَ مُوَجَّهٌ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى كَذَلِكَ وَوَجَّهَهَا عِيَاضٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْحَثُّ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَمْرُ بِهِ قَوْلُهُ وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ يَجْهَرُ بِهِ الضَّمِيرُ فِي لَهُ لِأَبِي سَلَمَةَ وَالصَّاحِبُ الْمَذْكُورُ هُوَ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ بْنِ الْخَطَّابِ بَينه الزبيدِيّ عَن بن شهَاب فِي هَذَا الحَدِيث أخرجه بن أَبِي دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ مِنْ طَرِيقِهِ بِلَفْظِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ قَالَ بن شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ فَكَأَن هَذَا التَّفْسِير لم يسمعهُ بن شِهَابٍ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْهُ فَكَانَ تَارَةً يُسَمِّيهِ وَتَارَةً يُبْهِمُهُ وَقَدْ أَدْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ قَالَ الذُّهْلِيُّ وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ قُلْتُ وَهِيَ ثَابِتَةٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَأَذَنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ وَكَذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَوْله عَن سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَة قَوْله عَن الزُّهْرِيّ هُوَ بن شهَاب الْمَذْكُور فِي الطَّرِيق الأولى وَنقل بن أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ قَالَ لَمْ يَقُلْ لَنَا سُفْيَانُ قطّ فِي هَذَا الحَدِيث حَدثنَا بن شِهَابٍ قُلْتُ قَدْ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَالْحُمَيْدِيُّ مِنْ أعرف النَّاس بِحَدِيث سُفْيَان وَأَكْثَرهم تثبتا عته لِلسَّمَاعِ مِنْ شُيُوخِهِمْ قَوْلُهُ قَالَ سُفْيَانُ تَفْسِيرُهُ يُسْتَغْنَى بِهِ كَذَا فَسَّرَهُ سُفْيَانُ وَيُمْكِنُ أَنْ يسْتَأْنس بِمَا أخرجه أَبُو دَاوُد وبن الضريس وَصَححهُ أَبُو عوَانَة عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ قَالَ لَقِيَنِي سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَنَا فِي السُّوقِ فَقَالَ تُجَّارٌ كَسَبَةٌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَقَدِ ارتضى أَبُو عبيد تَفْسِير يتَغَنَّى يَسْتَغْنِي وَقَالَ إِنَّهُ جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَنْشَدَ الْأَعْشَى وَكُنْتُ امْرَءًا زَمَنًا بِالْعِرَاقِ خَفِيفَ الْمُنَاخِ طَوِيل التَّغَنِّي

الصفحة 69