كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)

صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ وَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهِ نُسِّيهِ الْحَدِيثُ الثَّانِي

[5032] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاء سَاكِنة مكررتين وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ وَأَبُو وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ وَعبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ وَسَيَأْتِي فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ شَقِيق لَهُ من بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ بِئْسَ هِيَ أُخْتُ نِعْمَ فَالْأُولَى لِلذَّمِّ وَالْأُخْرَى لِلْمَدْحِ وَهُمَا فِعْلَانِ غَيْرُ مُتَصَرِّفَيْنِ يَرْفَعَانِ الْفَاعِلَ ظَاهِرًا أَوْ مُضْمَرًا إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ ظَاهِرًا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ إِلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لِلْجِنْسِ أَوْ مُضَافٍ إِلَى مَا هُمَا فِيهِ حَتَّى يَشْتَمِلَ عَلَى الْمَوْصُوفِ بِأَحَدِهِمَا وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ تَعَيُّنًا كَقَوْلِهِ نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ وَبِئْسَ الرَّجُلُ عَمْرٌو فَإِنْ كَانَ الْفَاعِلُ مُضْمَرًا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ اسْمٍ نَكِرَةٍ يُنْصَبُ عَلَى التَّفْسِيرِ لِلضَّمِيرِ كَقَوْلِهِ نِعْمَ رَجُلًا زَيْدٌ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا التَّفْسِيرُ مَا عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهَ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَنعما هِيَ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ وَمَا نكرَة مَوْصُوفَة وَأَن يَقُولَ مَخْصُوصٌ بِالذَّمِّ أَيْ بِئْسَ شَيْئًا كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ قَوْلُهُ نَسِيتُ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ اتِّفَاقًا قَوْلُهُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ كَيْتَ وَكَيْتَ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ الْجُمَلِ الْكَثِيرَةِ وَالْحَدِيثِ الطَّوِيلِ وَمِثْلُهُمَا ذَيْتَ وَذَيْتَ وَقَالَ ثَعْلَب كَيْت للافعال وذيت للاسماء وَحكى بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِثْلُ كَذَا إِلَّا أَنَّهَا خَاصَّةً بِالْمُؤَنَّثِ وَهَذَا مِنْ مُفْرَدَاتِ الدَّاوُدِيِّ قَوْلُهُ بَلْ هُوَ نُسِّيَ بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ مُخَفَّفًا قُلْتُ وَكَذَا هُوَ فِي مُسْند أبي يعلى وَكَذَا أخرجه بن أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ مَضْبُوطَةٍ بِخَطٍّ مَوْثُوقٍ بِهِ عَلَى كُلِّ سِينٍ عَلَامَةُ التَّخْفِيفِ وَقَالَ عِيَاضٌ كَانَ الْكِنَانِيُّ يَعْنِي أَبَا الْوَلِيدِ الْوَقْشِيَّ لَا يُجِيزُ فِي هَذَا غَيْرَ التَّخْفِيفِ قُلْتُ وَالتَّثْقِيلُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ فِي الْبُخَارِيِّ وَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ فِي غَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ بَعْدَ قَوْلِهِ كَيْتَ وَكَيْتَ لَيْسَ هُوَ نَسِيَ وَلَكِنَّهُ نُسِّيَ الْأَوَّلُ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ وَالثَّانِي بِضَمِّ النُّونِ وَتَثْقِيلِ السِّينِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ التَّثْقِيلُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عُوقِبَ بِوُقُوعِ النِّسْيَانِ عَلَيْهِ لِتَفْرِيطِهِ فِي مُعَاهَدَتِهِ وَاسْتِذْكَارِهِ قَالَ وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ أَنَّ الرَّجُلَ تَرَكَ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إِلَيْهِ وَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى نسوا الله فنسيهم أَيْ تَرَكَهُمْ فِي الْعَذَابِ أَوْ تَرَكَهُمْ مِنَ الرَّحْمَةِ وَاخْتُلِفَ فِي مُتَعَلِّقِ الذَّمِّ مِنْ قَوْلِهِ بِئْسَ عَلَى أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ قِيلَ هُوَ عَلَى نِسْبَةِ الْإِنْسَانِ إِلَى نَفْسِهِ النِّسْيَانَ وَهُوَ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ فَإِذَا نَسَبَهُ إِلَى نَفْسِهِ أَوْهَمَ أَنَّهُ انْفَرَدَ بِفِعْلِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أُنْسِيتُ أَوْ نُسِّيتُ بِالتَّثْقِيلِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ فِيهِمَا أَيْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَنْسَانِي كَمَا قَالَ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَقَالَ أأنتم تزرعونه أم نَحن الزارعون وَبِهَذَا الْوَجْه جزم بن بَطَّالٍ فَقَالَ أَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ عَلَى أَلْسُنِ الْعِبَادِ نِسْبَةَ الْأَفْعَالِ إِلَى خَالِقِهَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِقْرَارِ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالِاسْتِسْلَامِ لِقُدْرَتِهِ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ نِسْبَةِ الْأَفْعَالِ إِلَى مُكْتَسِبِهَا مَعَ أَنَّ نِسْبَتَهَا إِلَى مُكْتَسِبِهَا جَائِزٌ بِدَلِيلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الْآتِيَ فِي بَابِ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ قَالَ وَقَدْ أَضَافَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ النِّسْيَانَ مَرَّةً إِلَى نَفْسِهِ وَمَرَّةً إِلَى الشَّيْطَانِ فَقَالَ إِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا انسانيه الا الشَّيْطَان وَلِكُلِّ إِضَافَةٍ مِنْهَا مَعْنًى صَحِيحٌ فَالْإِضَافَةُ إِلَى اللَّهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ خَالِقُ الْأَفْعَالِ كُلِّهَا وَإِلَى النَّفْسِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ الْمُكْتَسِبُ لَهَا وَإِلَى الشَّيْطَانِ بِمَعْنَى الْوَسْوَسَةِ اه وَوَقَعَ لَهُ ذُهُولٌ فِيمَا نَسَبَهُ لِمُوسَى وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ فَتَاهُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسَبَ النِّسْيَانَ إِلَى نَفْسِهِ يَعْنِي كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ وَكَذَا نَسَبَهُ يُوشَعُ إِلَى نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ نَسِيتُ الْحُوت وَمُوسَى إِلَى نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ

الصفحة 80