كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)

يُؤْخَذُ بِالْجَدِّ عَلَى التَّدْرِيجِ وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[5035] قَوْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُفَصَّلَ هُوَ الْمُحكم قَالَ وَقَالَ بن عَبَّاسٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بن عَشْرِ سِنِينَ وَقَدْ قَرَأْتُ الْمُحْكَمَ كَذَا فِيهِ تَفْسِيرُ الْمُفَصَّلِ بِالْمُحْكَمِ مِنْ كَلَامِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقُلْتُ لَهُ وَمَا الْمُحْكَمُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَفَاعِلُ قُلْتُ هُوَ أَبُو بِشْرٍ بِخِلَافِ مَا يَتَبَادَرُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَفَاعِلَ قُلْتُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَأَلَ شَيْخَهُ عَنْ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْمُحْكَمِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَنْسُوخٌ وَيُطْلَقُ الْمُحْكَمُ عَلَى ضِدِّ الْمُتَشَابِهِ وَهُوَ اصْطِلَاحُ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْمُرَادُ بِالْمُفَصَّلِ السُّوَرُ الَّتِي كَثُرَتْ فُصُولُهَا وَهِيَ مِنَ الْحُجُرَاتِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ فِي التَّرْجَمَة إِلَى قَول بن عَبَّاسٍ سَلُونِي عَنِ التَّفْسِيرِ فَإِنِّي حَفِظْتُ الْقُرْآنَ وَأَنا صَغِير أخرجه بن سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ عِيَاض قَول بن عَبَّاسٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بن عَشْرِ سِنِينَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجه آخر عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ نَاهَزَ الِاحْتِلَامَ وَسَيَأْتِي فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ وَأَنَا خَتِينٌ وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم بن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَسَبَقَ إِلَى اسْتِشْكَالِ ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَن بن عَبَّاسٍ يَعْنِي الَّذِي مَضَى فِي الصَّلَاةِ يُخَالِفُ هَذَا وَبَالَغَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ حَدِيثُ أَبِي بِشْرٍ يَعْنِي الَّذِي فِي هَذَا الْبَابِ وَهَمٌ وَأَجَابَ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَأَنَا بن عَشْرِ سِنِينَ رَاجِعٌ إِلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ لَا إِلَى وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَقد جمعت الْمُحكم وَأَنا بن عَشْرِ سِنِينَ فَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَقَدْ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّ بن عَبَّاسٍ كَانَ لَهُ عِنْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً قَدِ اسْتَكْمَلَهَا وَنَحْوُهُ لِأَبِي عُبَيْدٍ وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُصعب الزبيرِي أَنه كَانَ بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَبِهِ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ ثُمَّ حَكَى أَنَّهُ قِيلَ سِتَّ عَشْرَةَ وَحَكَى قَوْلَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَأَوْرَدَ الْبَيْهَقِيُّ عَن أبي الْعَالِيَة عَن بن عَبَّاسٍ قَرَأْتُ الْمُحْكَمَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنا بن ثِنْتَيْ عَشْرَةَ فَهَذِهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ وَلَوْ وَرَدَ إِحْدَى عَشْرَةَ لَكَانَتْ سَبْعَةً لِأَنَّهَا مِنْ عَشْرٍ إِلَى سِتِّ عَشْرَةَ قُلْتُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ النَّسَبِ أَن ولادَة بن عَبَّاس كَانَت قبل الهجر بِثَلَاثِ سِنِينَ وَبَنُو هَاشِمٍ فِي الشِّعْبِ وَذَلِكَ قَبْلَ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ وَنَحْوُهُ لِأَبِي عُبَيْدٍ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الرِّوَايَاتِ إِلَّا سِتَّ عَشْرَةَ وَثِنْتَيْ عَشْرَةَ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَثْبُتْ سَنَدُهُ وَالْأَشْهَرُ بِأَنْ يَكُونَ نَاهَزَ الِاحْتِلَامَ لَمَّا قَارَبَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ ثُمَّ بَلَغَ لَمَّا اسْتَكْمَلَهَا وَدَخَلَ فِي الَّتِي بَعْدَهَا فَإِطْلَاقُ خَمْسَ عَشْرَةَ بِالنَّظَرِ إِلَى جَبْرِ الْكَسْرَيْنِ وَإِطْلَاقُ الْعَشْرِ وَالثَّلَاثَ عَشْرَةَ بِالنَّظَرِ إِلَى إِلْغَاءِ الْكَسْرِ وَإِطْلَاقُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ بِجَبْرِ أَحَدِهِمَا وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِهَذَا فِي بَابِ الْخِتَانِ بَعْدَ الْكِبَرِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ الْمُفَصَّلِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ آخِرُ جُزْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ ذَكَرْتُهَا فِي بَابِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ وَذَكَرْتُ قولا شاذا أَنه جَمِيع الْقُرْآن

(سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ)

الصفحة 84