كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)
(قَوْلُهُ بَابُ مَدِّ الْقِرَاءَةِ)
الْمَدُّ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَصْلِيٌّ وَهُوَ إِشْبَاعُ الْحَرْفِ الَّذِي بَعْدَهُ أَلِفٌ أَوْ وَاوٌ أَوْ يَاءٌ وَغَيْرُ أَصْلِيٍّ وَهُوَ مَا إِذَا أَعْقَبَ الْحَرْفَ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ هَمْزَةٌ وَهُوَ مُتَّصِلٌ وَمُنْفَصِلٌ فَالْمُتَّصِلُ مَا كَانَ مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ وَالْمُنْفَصِلُ مَا كَانَ بِكَلِمَةٍ أُخْرَى فَالْأَوَّلُ يُؤْتَى فِيهِ بِالْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ مُمْكَّنَاتٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَالثَّانِي يُزَادُ فِي تَمْكِينِ الْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَدِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ النُّطْقُ بِهَا إِلَّا بِهِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَعْدَلُ أَنَّهُ يَمُدُّ كُلَّ حَرْفٍ مِنْهَا ضِعْفَيْ مَا كَانَ يَمُدُّهُ أَوَّلًا وَقَدْ يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلا وَمَا فرط فَهُوَ غَيْرُ مَحْمُودٍ وَالْمُرَادُ مِنَ التَّرْجَمَةِ الضَّرْبُ الأول قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَمْرُو بْنُ حَفْصٍ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ قَوْلُهُ سُئِلَ أَنَسٌ ظَهَرَ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ قَتَادَةَ الرَّاوِي هُوَ السَّائِل وَقَوله الرِّوَايَة الثَّانِيَة المُرَاد بقوله بِمد بِسم الله الخ بِمد اللَّامَ الَّتِي قَبْلَ الْهَاءِ مِنَ الْجَلَالَةِ وَالْمِيمَ الَّتِي قَبْلَ النُّونِ مِنَ الرَّحْمَنِ وَالْحَاءَ مِنَ الرَّحِيم وَقَوله فِي الرِّوَايَة الأولى كَانَتْ مَدًّا أَيْ كَانَتْ ذَاتَ مَدٍّ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي النُّعْمَانِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَانَ يَمُدُّ صَوْتَهُ مَدًّا وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ أُخْرَى عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِم وَكَذَا أخرجه بن أَبِي دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَرِيرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ كَانَ يَمُدُّ قِرَاءَتَهُ وَأَفَادَ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ إِلَّا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى وَقَوْلُهُ فِي الثَّانِيَةِ يَمُدُّ بِبِسْمِ اللَّهِ كَذَا وَقَعَ بِمُوَحَّدَةٍ قَبْلَ الْمُوَحَّدَةِ الَّتِي فِي بِسْمِ اللَّهِ كَأَنَّهُ حَكَى لَفْظَ بِسْمِ اللَّهِ كَمَا حَكَى لَفْظَ الرَّحْمَنِ فِي قَوْلِهِ وَيَمُدُّ بِالرَّحْمَنِ أَوْ جَعَلَهُ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَمًا لِذَلِكَ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْحُلْوَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ ويمد بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ الرَّحْمَنَ وَيَمُدُّ الرَّحِيمَ مِنْ غير مُوَحدَة فِي الثَّلَاثَة وَأخرجه بن أَبِي دَاوُدَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ عَنْ هَمَّامٍ وَجَرِيرٍ جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ بِلَفْظِ يَمُدُّ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِإِثْبَاتِ الْمُوَحَّدَةِ فِي أَوَّلِهِ أَيْضًا وَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ جَرِيرًا مَعَ هَمَّامٍ فِي رِوَايَةِ عَمْرو بن عَاصِم وَأخرج بن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْفَجْرِ ق فَمَرَّ بِهَذَا الْحَرْفِ لَهَا طلع نضيد فَمَدَّ نَضِيدٌ وَهُوَ شَاهِدٌ جَيِّدٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَأَصْلُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ قُطْبَةَ نَفْسِهِ تَنْبِيهٌ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ وَرَامَ بِذَلِكَ مُعَارَضَةَ حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا الْمُخَرَّجِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يقرءها فِي الصَّلَاةِ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ لِذَلِكَ بِحَدِيثِ الْبَابِ نَظَرٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِيمَا كَتَبْتُهُ مِنَ النُّكَتِ عَلَى عُلُومِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الصَّلَاحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ الْبَسْمَلَةَ يَمُدُّ فِيهَا أَنْ يَكُونَ قَرَأَ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا وَرَدَ بِصُورَةِ الْمِثَالِ فَلَا تَتَعَيَّنُ
الصفحة 91