كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 9)

الْبَسْمَلَة وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى

(قَوْلُهُ بَابُ التَّرْجِيعِ)
هُوَ تَقَارُبُ ضُرُوبِ الْحَرَكَاتِ فِي الْقِرَاءَةِ وَأَصْلُهُ التَّرْدِيدُ وَتَرْجِيعُ الصَّوْتِ تَرْدِيدُهُ فِي الْخلق وَقَدْ فَسَّرَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ فِي كتاب التَّوْحِيد بقوله أاأ بِهَمْزَة مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ هَمْزَةٌ أُخْرَى ثُمَّ قَالُوا يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ حَدَثَ مِنْ هَزِّ النَّاقَةِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَشْبَعَ الْمَدَّ فِي مَوْضِعِهِ فَحَدَثَ ذَلِكَ وَهَذَا الثَّانِي أَشْبَهُ بِالسِّيَاقِ فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ لَوْلَا أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ لَقَرَأْتُ لَكُمْ بِذَلِكَ اللَّحْنِ أَيِ النَّغَمِ وَقَدْ ثَبَتَ التَّرْجِيعُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ فَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجة وبن أَبِي دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ كُنْتُ أَسْمَعُ صَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ وَأَنَا نَائِمَةٌ عَلَى فِرَاشِي يُرَجِّعُ الْقُرْآنَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي الترجيع قدرا زَائِدا على الترتيل فَعِنْدَ بن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ بِتُّ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي دَارِهِ فَنَامَ ثُمَّ قَامَ فَكَانَ يَقْرَأُ قِرَاءَةَ الرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ وَيُسْمِعُ مَنْ حَوْلَهُ وَيُرَتِّلُ وَلَا يُرَجِّعُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ مَعْنَى التَّرْجِيعِ تَحْسِينُ التِّلَاوَةِ لَا تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِتَرْجِيعِ الْغِنَاءِ تُنَافِي الْخُشُوعَ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ التِّلَاوَةِ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ مُلَازَمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ حَالَةَ رُكُوبِهِ النَّاقَةَ وَهُوَ يَسِيرُ لَمْ يَتْرُكِ الْعِبَادَةَ بِالتِّلَاوَةِ وَفِي جَهْرِهِ بِذَلِكَ إِرْشَادٌ إِلَى أَنَّ الْجَهْرَ بِالْعِبَادَةِ قَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَفْضَلَ مِنَ الْإِسْرَارِ وَهُوَ عِنْدَ التَّعْلِيمِ وايقاظ الغافل وَنَحْو ذَلِك قَوْلُهُ بَابُ حُسْنِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ لِلْقُرْآنِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَقَطَ قَوْلُهُ لِلْقُرْآنِ لِغَيْرِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى اسْتِحْبَابِ سَمَاعِ الْقُرْآنِ مِنْ ذِي الصَّوْت الْحسن وَأخرج بن أبي دَاوُد من طَرِيق بن أَبِي مُسْجِعَةَ قَالَ كَانَ عُمَرُ يُقَدِّمُ الشَّابَّ الْحَسَنَ الصَّوْتِ لِحُسْنِ صَوْتِهِ بَيْنَ يَدَيِ الْقَوْمِ

[5048] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ أَبُو بَكْرٍ هُوَ الْحَدَّادِيُّ بِالْمُهْمَلَاتِ وَفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّثْقِيلِ بَغْدَادِيٌّ مُقْرِئٌ مِنْ صِغَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَعَاشَ بَعْدَ الْبُخَارِيِّ خَمْسَ سِنِينَ وَأَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ اسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ وَهُوَ وَالِدُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْكُوفِيِّ الْحَافِظِ صَاحِبِ الْمُسْنَدِ وَلَيْسَ لِمُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ وَلَا لِشَيْخِهِ أَبِي يَحْيَى فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ وَقَدْ أَدْرَكَ الْبُخَارِيُّ أَبَا يَحْيَى بِالسِّنِّ لَكِنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ قَوْلُهُ حَدَّثَنِي بُرَيْدٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ

الصفحة 92