كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 9)
(ولكن عذاب الله شديد) فبسبب هذه الشدة والهول العظيم طاشت عقولهم واضطربت أفهامهم فصاروا كالسكارى، بجامع سلب كمال التمييز وصحة الإدراك وروي أن هاتين الآيتين نزلتا في غزوة بني المصطلق ليلاً فقرأهما النبي (- صلى الله عليه وسلم -) فلم ير أكثر باكياً من تلك الليلة. قاله أبو حيان في البحر، ثم لما أراد سبحانه أن يحتج على منكري البعث قدم قبل ذلك مقدمة تشمل أهل الجدال كلهم فقال:
(ومن الناس من يجادل في الله) أي في شأن الله وقدرته وصفاته، والمعنى أنه يخاصم في ذلك فيزعم أنه غير قادر على البعث (بغير علم) يعلمه ولا حجة يدلي بها أو يؤول أو يمثل أو يعطل أو يشبه صفاته بصفات الخلق من دون حجة نيّرة أو يكابر في دين الله ويقول فيه ما لا خير فيه من الأباطيل وتقليد آراء الرجال (ويتبع) فيما يقوله ويتعاطاه ويحتج به ويجادل عنه.
(كل شيطان مريد) أي متمرد على الله متجرد للفساد، وهو العاتي، سمي بذلك لخلوه عن كل خير.
وقال الزجاج: المريد والمارد المرتفع الأملس، والمراد إما إبليس وجنوده أو رؤساء الكفار الذين يدعون أشياعهم إلى الكفر. قال المفسرون: نزلت في النضر بن الحارث؟ وكان كثير الجدال، وكان ينكر أن الله يقدر على إحياء الأموات، وقيل نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة.
(كتب عليه) أي قضى على الشيطان، قاله قتادة وعن مجاهد مثله (أنه من تولاه) أي من اتخذه ولياً واتبعه (أنّه) أي فشأن الشيطان أنه (يضله) عن طريق الحق والجنة، وقد وصف الشيطان بوصفين، الأول أنه مريد، والثاني ما أفاده جملة: كتب عليه الخ.
(ويهديه إلى عذاب السعير) أي يحمله على مباشرة ما يصير به في العذاب، وفي الآية زجر عن اتباعه، ثم ذكر سبحانه ما هو المقصود من الاحتجاج على الكفار بعد فراغه من تلك المقدمة فقال:
الصفحة 12
444