قاله البيضاوي، وغيره، وهذا من باب الاستعارة البليغة والتمثيل الرائع شبه جولانهم في أفانين القول بطريق المدح والذم والتشبيب وأنواع الشعر بهيام الهائم في كل وجه وطريق، والهائم هو الذي يخبط في طريقه ولا يقصد موضعاً معيناً.
والهائم العاشق، والهيمان العطشان؛ والهيام داء يأخذ الإبل من العطش، وجمل أهيم، وناقة هيماء والجمع فيهما هيم قال تعالى فشاربون شرب الهيم.
قال ابن عباس في الآية: في كل لغو يخوضون، وقيل: يمدحون بالباطل ويهجون بالباطل، وقيل: إنهم يمدحون الشيء ثم يذمونه لا يطلبون الحق والصدق؛ فالوادي مثل لفنون الكلام وطرقه، والغوص في المعاني والقوافي ثم قال سبحانه:
(وإنهم يقولون ما لا يفعلون) أي يقولون فعلنا وفعلنا، وهم كذبة في ذلك ألجأهم إليه الفن الذي سلكوه، فقد يحثون بكلامهم على الكرم والخير، ولا يفعلونه وقد ينسبون إلى أنفسهم من أفعال الشر ما لا يقدرون على فعله، كما تجده في كثير من أشعارهم من الدعاوى الكاذبة، والزور الخالص المتضمن لقذف المحصنات، وأنهم فعلوا بهن كذا وكذا وذلك كذب محض وافتراء بحت ثم استثنى سبحانه الشعراء المؤمنين الصالحين الذين أغلب أحوالهم تحرّي الحق والصدق، وكانوا يجيبون شعراء الكفار ويهجون وينافحون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فقال:
(إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) أي دخلوا في حزب المؤمنين، وعملوا بأعمالهم الصالحات (وذكروا الله كثيراً) في أشعارهم ولم يشغلهم الشعر عن ذكر الله كابن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك وكعب ابن زهير رضي الله تعالى عنهم. وعن عروة، قال: لما نزلت والشعراء إلى قوله ما لا يفعلون، قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله قد علم الله أني منهم