كتاب شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 9)

بالتحريك واحد الشجون وهي طرق الأودية، ويقال الحديث شجون أي يدخل بعضه في
بعض، وسقط قوله: "إن" لأبي ذر فالرحم رفع، وقوله من الرحمن أي اشتق اسمها من اسم الرحمن فلها به علقة. وعند النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا "أنا الرحمن خلقت الرحم بيدي وشققت لها اسمًا من اسمي" والمعنى أنها أثر من آثار الرحمة مشتبكة بها فالقاطع لها منقطع من رحمة الله وليس المعنى أنها من ذات الله تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا (فقال الله) تعالى: زاد الإسماعيلي لها والفاء عطف على محذوف أي فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال الله تعالى: "من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته". قال ابن أبي جمرة: الوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه وإنما خاطب الناس بما يفهمونه ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو القرب منه وإسعافه بما يريد، وكانت حقيقة ذلك مستحيلة في حق الله تعالى عرف أن ذلك كناية عن عظيم إحسانه لعبده. قال: وكذا القول في القطع وهو كناية عن حرمانه الإحسان.
وهذا الحديث من أفراده.
5989 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِى مُزَرِّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الرَّحِمُ شِجْنَةٌ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ».
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) مولى الصديق (قال: أخبرني) بالإفراد (معاوية بن أبي مزرد) عبد الرحمن السابق في هذا الباب (عن يزيد بن رومان) مولى الزبير المدني القاريّ (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج النبي إلى آخره لأبي ذر (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الرحم شجنة) بكسر الشين ولأبي ذر ضمها مصححًا عليهما في الفرع ولم يقل هنا من الرحمن لأن ذلك معلوم من الرواية السابقة (فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته) وفي ذلك تعظيم أمر الرحم وأن صلتها مندوب إليها وأن قطعها من الكبائر لورود الوعيد الشديد فيه.

14 - باب يَبُلُّ الرَّحِمَ بِبَلاَلِهَا
(باب) بالتنوين (يبل) الشخص المكلف (الرحم) ولأبي ذر: قبل بضم الفوقية وفتح الموحدة الرحم (ببلالها) بكسر الموحدة الأولى وفتح الثانية وكسرها والبلال بمعنى البلل وهو النداوة وأطلق ذلك على الصلة كما أطلق اليبس على القطيعة.
5990 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِى حَازِمٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ: «إِنَّ آلَ أَبِى»، قَالَ: عَمْرٌو فِى كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ: «بَيَاضٌ لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِى إِنَّمَا وَلِيِّىَ اللَّهُ
وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ». زَادَ عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ بَيَانٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أَبُلُّهَا بِبَلاَلِهَا» يَعْنِى أَصِلُهَا بِصِلَتِهَا. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: بِبِلاهَا كَذَا وَقَعَ وَبِبِلاَهَا أَجْوَدُ وَأَصَحُّ وَبِِبِلاَهَا لاَ أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا,
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (عمرو بن عباس) بفتح العين وسكون الميم وعباس بالموحدة والمهملة أبو عثمان الباهلي البصري قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعد البجلي الكوفي (عن قيس بن أبي حازم) عوف البجلي (أن عمرو بن العاص) -رضي الله عنه- (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جهارًا) يتعلق بالمفعول أي كان المسموع في حال الجهر أو بالفاعل أي أقول ذلك جهارًا (غير سرّ) تأكيد لرفع توهم أنه جهر به مرة وأخفاه أخرى (يقول):
(إن آل أبي) بحذف ما يضاف إلى أداة الكنية ولأبي ذر عن المستملي أبي فلان كناية عن اسم علم وجزم الدمياطي في حواشيه بأن المراد آل أبي العاص بن أمية، وفي سراج المريدين لابن العربي آل أبي طالب، وأيّده في الفتح بأنه في مستخرج أبي نعيم من طريق الفضل بن الموفق عن عنبسة بن عبد الواحد بسند البخاري عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص رفعه "إن لبني أبي طالب رحمًا" الحديث.
(قال عمرو): هو ابن عباس شيخ البخاري فيه (في كتاب محمد بن جعفر) يعني غندرًا شيخ عمرو فيه (بياض) بالرفع على الصواب أي موضع أبيض بغير كتابة وضعف الجر إذ يكون المعنى في كتاب محمد بن جعفر أن آل أبي بياض لأنه لا يعرف في العرب قبيلة يقال لها أبو بياض فضلاً عن قريش، وسياق الحديث يشعر بأنهم من قبيلته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي قريش (ليسوا بأوليائي). قال في الفتح: وفي نسخة من رواية أبي ذر بأولياء، والمراد كما قال السفاقسي: من لم يسلم منهم فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض، وحمله الخطابي على ولاية

الصفحة 13