كتاب شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 9)

وسكون القاف وتنوين التحتية قال: وللباقين تسعى بفتح العين المهملة من السعي أي تمشي بسرعة تطلب ولدها الذي فقدته (إذا وجدت صبيًّا في السبي أخذته) أي فأرضعته ليخف عنها اللبن لكونها تضررت باجتماعه فوجدت ابنها فأخذته (فألصقته ببطنها وأرضعته) ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسم ولدها. وقال العيني: إذا وجدت كلمة إذ ظرف، ويجوز أن تكون بدل اشتمال من امرأة قال: وفي بعض النسخ إذا أي بالإلف، لكن قال الحافظ ابن حجر: قوله إذا أي بالألف كذا للجميع (فقال لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أترون) بضم الفوقية أي أتظنون (هذه) المرأة (طارحة ولدها) هذا (في النار قلنا لا) تطرحه (وهي تقدر على أن لا تطرحه) أي لا تطرحه مكرهة أبدًا (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لله) بفتح اللام للتأكيد وللإسماعيلي والله لله (أرحم بعباده) المؤمنين (من هذه) المرأة (بولدها). هذا وحكى الشيخ ابن أبي جمرة احتمال تعميمه حتى في الحيوانات، والحديث أخرجه مسلم في التوبة.

19 - باب جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ
هذا (باب) بالتنوين يذكر فيه (جعل الرحمة مائة جزء) ولأبي ذر: في مائة جزء.
6000 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ البَهْرانِيُّ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِى الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ».
وبه قال: (حدّثنا الحكم) بفتحتين، ولأبي ذر: أبو اليمان الحكم (بن نافع البهراني) بفتح الموحدة وسكون الهاء نسبة إلى قبيلة من قضاعة ينتهي نسبهم إلى بهر بن عمرو بن الحاف بن قضاعة وهذه اللفظة ثابتة في رواية أبي ذر قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم قال: (أخبرنا سعيد بن المسيب) بفتح التحتية المشددة ابن حزن الإمام أبو محمد المخزومي أحد الأعلام وسيد التابعين (أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(جعل الله الرحمة مائة جزء). وفي حديث سلمان عند مسلم: إن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السماوات والأرض كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض الحديث. وخلق أي اخترع وأوجد بقوله كل رحمة طباق إلى آخره التعظيم والتكثير، ولأبي ذر في مائة جزء بزيادة في. قال في الكواكب: هي ظرفية يتم المعنى بدونها أو متعلقة بمحذوف وفيه نوع مبالغة حيث جعلها مظروفًا لها يعني بحيث لا يفوت منها شيء ورحمة الله غير متناهية لا مائة ولا مائتان لكنها عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير والقدرة صفة واحدة والتعلق غير متناه فحصره في مائة في سبيل
التمثيل تسهيلاً للفهم وتقليلاً لما عندنا وتكثيرًا لما عنده سبحانه وتعالى، وهل المراد بالمائة التكثير والمبالغة أو الحقيقة، فيحتمل أن تكون مناسبة لعدد درج الجنة والجنة هي على الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء درجة، وقد ثبت أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله فمن نالته منها رحمة واحدة كان أدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم من حصلت له جميع الأنواع من الرحمة (فأمسك) تعالى (عنده تسعة وتسعين جزءًا) ولمسلم من رواية عطاء عن أبي هريرة وأخّر عنده تسعة وتسعين رحمة (وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا) القياس وأنزل إلى الأرض لكن حروف الجرّ يقوم بعضها مقام بعض أو فيه تضمين فعل، والغرض منه المبالغة يعني أنزل رحمة واحدة منتشرة في جميع الأرض، وفي رواية عطاء أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم (فمن ذلك الجزء تتراحم الخلق) بالراء والحاء المهملة (حتى ترفع الفرس حافرها) هو كالظلف للشاة (عن ولدها خشية أن تصيبه) أي خشية الإصابة. وفي رواية عطاء: فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها يعطف الوحش على ولده، وفي حديث سلمان: فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض، وزاد أنه يكملها يوم القيامة مائة رحمة بالرحمة التي في الدنيا.
وهذا الحديث أخرجه مسلم.

20 - باب قَتْلِ الْوَلَدِ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ
(باب قتل الولد) أي قتل الرجل ولده (خشية أن يأكل معه) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: باب التنوين أي الذنب أعظم.
6001 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ» ثُمَّ قَالَ: أَىُّ؟ قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ» قَالَ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِىَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عمرو بن شرحبيل) بفتح العين وشرحبيل بضم الشين المعجمة

الصفحة 19