كتاب شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 9)
من فضول المجالس مما يتحدث به فيها كقيل كذا وكذا مما لا يصح ولا تعلم حقيقته وربما جرّ إلى غيبة أو نميمة أما من قال: ما يصح وعرف حقيقته وأسنده إلى ثقة صدوق ولم يجر إلى منهي عنه فلا وجه لذمه، ولأبي ذر عن الكشميهني قيلاً وقالاً بالتنوين فيهما، والأشهر عدمه فيهما، وقول الجوهري أنهما اسمان مستدلاً بأنه يقال كثير القيل والقال بدخول الألف واللام عليهما متعقب بقول ابن دقيق العيد: لو كانا اسمين بمعنى واحد كالقول لم يكن لعطف أحدهما على الآخر فائدة. وقال في التنقيح: المشهور عند أهل اللغة فيهما أنهما اسمان معربان ويدخلهما الألف واللام والمشهور في هذا الحديث بناؤهما على الفتح على أنهما فعلان ماضيان، فعلى هذا يكون التقدير ونهى عن قول وقيل وقال وفيهما ضمير فاعل مستتر، ولو روي بالتنوين لجاز، قال في المصابيح: لا حاجة إلى ادعاء استتار ضمير فيهما بل هما فعلان ماضيان على رأي ابن مالك في جواز جريان الإسناد إلى الكلمة في أنواعها الثلاثة نحو زيد ثلاثي وضرب فعل ماض ومن حرف جر ولا شك أنهما مسند إليهما في التقدير إذ المعنى قيل وقال كرههما عليه الصلاة والسلام أو اسمان عند الجمهور والفتح على الحكاية وينكرون أن يكون غير الاسم مسندًا إليه كما هو مقرر في محله اهـ.
(و) كره تعالى لكم (كثرة السؤال) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المسائل التي لا حاجة إليها كما قال تعالى:
{لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] أو المراد لا تسألوا في العلم سؤال امتحان ومراء وجدال، أو لا تسألوا عن أحوال الناس (و) كره لكم أيضًا (إضاعة المال) بإنفاقه في غير ما أذن فيه شرعًا لأن الله تعالى جعل المال قيامًا لمصالح العباد، وفي تبذيره تفويت لذلك، والذي صححه النووي أن صرفه في الصدقة ووجوه الخير والمطاعم والملابس التي لا تليق بحالة ليس بتبذير لأن المال يتخذ لينتفع به ويلتذ.
وهذا الحديث سبق في باب قوله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة: 273] من كتاب الزكاة وفي الاستقراض أيضًا.
5976 - حَدَّثَنِى إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِىُّ، عَنِ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ»؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ»، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: «أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ». فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ: لاَ يَسْكُتُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر بالجمع (إسحاق) بن شاهين بن الحارث الواسطي قال: (حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله الطحان (الواسطي عن الجريري) بضم الجيم وفتح الراء الأولى بعدها تحتية ساكنة سعيد بن إياس بن مسعود البصري والجريري نسبة إلى جرير بن عباد (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ألا) بالتخفيف حرف استفتاح وضع لتنبيه المخاطب على ما يتكلم به من بعده (أنبئكم) أخبركم (بأكبر الكبائر) جمع كبيرة وأصله وصف مؤنث أي الفعلة الكبيرة ونحوها وكبرها باعتبار شدة مفسدتها وعظم إثمها (قلنا) ولأبي ذر فقلنا (بلى يا رسول الله) أخبرنا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أحدها (الإشراك بالله) عز وجل غيره في العبادة والألوهية أو المراد مطلق الكفر على أي نوع كان وهو المراد هنا وحينئذ فالتعبير بالإشراك لغلبته في الوجود لا سيما في بلاد العرب ولو أريد الأول لكان محكومًا بأنه أعظم أنواع الكفر ولا ريب أن التعطيل أقبح منه وأشد لأنه نفي مطلق والإشراك إثبات (و) ثانيها (عقوق الوالدين) معطوف على سابقه وهو مصدر عن والده يعقه عقوقًا فهو عاق إذا أذاه وعصاه وهو ضد البر وأما العقوق المحرم شرعًا فقال ابن عبد السلام: لم أقف له على ضابط اعتمد عليه فإنه لا يجب طاعتهما في كل ما يأمران به وينهيان عنه اتفاقًا وقالوا: يحرم على الولد الجهاد بغير إذنهما لما يشق عليهما من توقع قتله أو قطع شيء منه. نعم في فتاوى ابن الصلاح العقوق المحرم كل فعل يتأذى به الوالد تأذيًا ليس بالهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة قال: وربما قيل طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية ومخالفة ذلك عقوق (وكان) عليه الصلاة والسلام (متكئًا فجلس) جملة من كان واسمها وخبرها (فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور) من عطف التفسير، لأن قول الزور أعمّ من أن يكون كفرًا ومن أن يكون شهادة أو كذبًا آخر من الكذبات
الصفحة 7
474