كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 9)

[3173] قَوْلُهُ (سُمِعَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ (عِنْدَ وَجْهِهِ) أَيْ عِنْدَ قُرْبِ وَجْهِهِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ (كَدَوِيِّ النَّحْلِ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ سُمِعَ عِنْدَ وَجْهِهِ دَوِيٌّ مِثْلُ دَوِيِّ النَّحْلِ وَالدَّوِيُّ صَوْتٌ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ وَهَذَا الصَّوْتُ هُوَ صَوْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُبَلِّغُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ وَلَا يَفْهَمُ الْحَاضِرُونَ مِنْ صَوْتِهِ شَيْئًا
وَقَالَ الطِّيبِيُّ رح أَيْ سُمِعَ مِنْ جَانِبِ وَجْهِهِ وَجِهَتِهِ صَوْتٌ خَفِيٌّ كَأَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يُؤَثِّرُ فِيهِمْ وَيَنْكَشِفُ لَهُمُ انْكِشَافًا غَيْرَ تَامٍّ فَصَارُوا كَمَنْ يَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتٍ وَلَا يَفْهَمُهُ أَوْ أَرَادَ لَهُمَا سَمِعُوهُ مِنْ غَطِيطِهِ وَشِدَّةِ تَنَفُّسِهِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ وَهَذَا الدَّوِيُّ إِمَّا صَوْتُ الْوَحْيِ أَوْ مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شِدَّةِ تَنَفُّسِهِ مِنْ ثِقَلِ الْوَحْيِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَفَ الْوَحْيَ بِأَنَّهُ كَانَ تَارَةً مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ انْتَهَى (يَوْمًا) أَيْ نَهَارًا أَوْ وَقْتًا (فَمَكَثْنَا) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا أَيْ لَبِثْنَا (سَاعَةً) أَيْ زَمَنًا يَسِيرًا نَنْتَظِرُ الْكَشْفَ عَنْهُ (فَسُرِّيَ) عَنْهُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّسْرِيَةِ وَهُوَ الْكَشْفُ وَالْإِزَالَةُ أَيْ كُشِفَ عَنْهُ وَأُزِيلَ مَا اعْتَرَاهُ مِنْ بُرَحَاءِ الْوَحْيِ وَشِدَّتِهِ اللَّهُمَّ زِدْنَا أَيْ مِنَ الْخَيْرِ وَالتَّرَقِّي أَوْ كَثِّرْنَا وَلَا تُنْقِصْنَا أَيْ خَيْرَنَا وَمَرْتَبَتَنَا وَعَدَدَنَا
قَالَ الطِّيبِيُّ رح عُطِفَتْ هَذِهِ النَّوَاهِي عَلَى الْأَوَامِرِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ وَحُذِفَ الْمَفْعُولَاتُ لِلتَّعْمِيمِ وَأَكْرِمْنَا بِقَضَاءِ مَآرِبِنَا فِي الدُّنْيَا وَرَفْعِ مَنَازِلِنَا فِي الْعُقْبَى وَلَا تُهِنَّا مِنَ الْإِهَانَةِ أَيْ لَا تُذِلَّنَا وَلَا تَحْرِمْنَا بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ لَا تَمْنَعْنَا أَوْ لَا تَجْعَلْنَا مَحْرُومِينَ وَآثِرِنَا مِنَ الْإِيثَارِ أَيِ اخْتَرْنَا بِرَحْمَتِكَ وَإِكْرَامِكَ وَعِنَايَتِكَ لَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا أَيْ غَيْرَنَا بِلُطْفِكَ وَحِمَايَتِكَ وَقِيلَ لَا تَغْلِبْ عَلَيْنَا أَعْدَاءَنَا وَأَرْضِنَا مِنَ الْإِرْضَاءِ أَيْ بِمَا قَضَيْتَ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا بِإِعْطَاءِ الصَّبْرِ وَتَوْفِيقِ الشُّكْرِ وَتَحَمُّلِ الطَّاعَةِ وَالتَّقَنُّعِ بِمَا قَسَمْتَ لَنَا وَارْضَ عَلَيْنَا أَيْ بِالطَّاعَةِ الْيَسِيرَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي فِي جَهْدِنَا وَلَا تُؤَاخِذْنَا بِسُوءِ أَعْمَالِنَا ثُمَّ قَالَ أُنْزِلَ عَلَيَّ أَيْ آنِفًا مَنْ أَقَامَهُنَّ أَيْ حَافَظَ وَدَاوَمَ عَلَيْهِنَّ وَعَمِلَ بِهِنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَيْ دُخُولًا أَوَّلِيًّا

الصفحة 13