كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 9)

على أن لا يشركن بالله شيئا أَيْ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ هُوَ مَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ وَأْدِ الْبَنَاتِ أَيْ دَفْنِهِنَّ أَحْيَاءً لِخَوْفِ الْعَارِ وَالْفَقْرِ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ أَيْ لَا يُلْحِقْنَ بِأَزْوَاجِهِنَّ وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُمْ
قَالَ الْفَرَّاءُ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَقِطُ الْمَوْلُودَ فَتَقُولُ لِزَوْجِهَا هَذَا وَلَدِي مِنْكَ فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ الْمُفْتَرَى بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا وَضَعَتْهُ الْأُمُّ سَقَطَ بَيْنَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَلَيْسَ المراد هنا أنها تنسب ولدها من الزنى إِلَى زَوْجِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ دَخَلَ تَحْتَ النهي عن الزنى ولا يعصينك في معروف أَيْ فِي كُلِّ أَمْرٍ هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَإِحْسَانٌ إِلَى النَّاسِ وَكُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ وَنَهَى عَنْهُ وَالْمَعْرُوفُ مَا عُرِفَ حُسْنُهُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ فَبَايِعْهُنَّ أَيْ إِذَا بَايَعْنَكَ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ أَيْ عَمَّا مَضَى إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ بَلِيغُ الْمَغْفِرَةِ بِتَمْحِيقِ مَا سَلَفَ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِعِبَادِهِ (قَالَ مَعْمَرٌ) أَيْ بِالْإِسْنَادِ السَّابِقِ (مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ
مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكَ
قَالَ الْحَافِظُ وَكَأَنَّ عَائِشَةَ أَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَا جَاءَ عَنْ أُمِّ عطية فعند بن خزيمة وبن حبان والبزار والطبري وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي قِصَّةِ الْمُبَايَعَةِ قَالَ فَمَدَّ يَدَهُ مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ وَمَدَدْنَا أَيْدِيَنَا مِنْ دَاخِلِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ وَكَذَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ الَّذِي فِيهِ قَبَضَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ يَدَهَا فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُنَّ كُنَّ يُبَايِعْنَهُ بِأَيْدِيهِنَّ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ بأن من الْأَيْدِي مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ إِشَارَةٌ إِلَى وُقُوعِ الْمُبَايَعَةِ وَإِنْ لَمْ تَقَعَ مُصَافَحَتُهُ وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَبْضِ الْيَدِ التَّأَخُّرُ عَنِ الْقَبُولِ أَوْ كَانَتِ الْمُبَايَعَةُ تَقَعُ بِحَائِلٍ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَايَعَ النِّسَاءَ أَتَى بِبُرْدٍ قَطَرِيٍّ فَوَضَعَهُ فِي يَدِهِ وَقَالَ لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مُرْسَلًا نَحْوُهُ وَعِنْدَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أبي حازم كذلك وأخرج بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بَكِيرٍ عَنْهُ عَنْ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْمِسُ يَدَهُ فِي إِنَاءٍ وَتَغْمِسُ الْمَرْأَةُ يَدَهَا فِيهِ وَيُحْتَمَلُ التَّعَدُّدُ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِوَاسِطَةِ عُمَرَ وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ أُمَيْمَةَ بِنْتَ رُقَيْقَةَ بِقَافَيْنِ مُصَغَّرًا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي نِسْوَةٍ تُبَايِعُ فَقُلْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْسُطْ يَدَك نُصَافِحْكَ فَقَالَ إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ وَلَكِنْ سَآخُذُ عَلَيْكُنَّ فَأَخَذَ عَلَيْنَا حَتَّى بَلَغَ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَقَالَ فِيمَا أَطَقْتُنَّ وَاسْتَطَعْتُنَّ فَقُلْنَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا
وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ مَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ إِلَّا كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ
وَقَدْ جَاءَ فِي أَخْبَارٍ أُخْرَى أَنَّهُنَّ كُنَّ

الصفحة 144