كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 9)

مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ فَقَوْلُهُ فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ فَلِذَلِكَ عَطَفَهُ بِالْفَاءِ وَقَوْلُهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَيِ اعْتِزَالُهُ إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ إِفْشَاءِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَا بِمَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فَجَاءَتْ فَوَجَدَتْهَا مَعَهُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَفْعَلُ هَذَا مَعِي دُونَ نِسَائِكَ فَقَالَ لَا تُخْبِرِي أَحَدًا هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ
وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا فَتَوَاطَأَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ عَلَى أَنَّ أَيَّتَهُمَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ أَأَكَلْتَ مَغَافِيرَ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ
فَقَالَ لَا ولكني كنت أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا
فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعُوتِبَ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَمَا اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ حَلِفِهِ
قَالَ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الصَّحِيحُ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّهَا فِي قِصَّةِ الْعَسَلِ لَا فِي قِصَّةِ مَارِيَةَ الْمَرْوِيَّةِ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَمْ تَأْتِ قِصَّةُ مَارِيَةَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ
قَالَ النَّسَائِيُّ إِسْنَادُ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْعَسَلِ جَيِّدٌ صَحِيحٌ غَايَةٌ انْتَهَى
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي سَبَبِ اعْتِزَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَاتٍ أُخْرَى مِنْهَا ما أخرجه بن مردويه من طريق الضحاك عن بن عَبَّاسٍ قَالَ دَخَلَتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهَا فَوَجَدَتْ مَعَهُ مَارِيَةَ فَقَالَ لَا تُخْبِرِي عَائِشَةَ حَتَّى أُبَشِّرَكِ بِبِشَارَةٍ إِنَّ أَبَاكِ يَلِي هَذَا الْأَمْرَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ إِذَا أَنَا مِتُّ فَذَهَبَتْ إِلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ وَالْتَمَسَتْ مِنْهُ أَنْ يُحَرِّمَ مَارِيَةَ فَحَرَّمَهَا ثُمَّ جَاءَ إِلَى حَفْصَةَ فَقَالَ أَمَرْتُكِ أَنْ لَا تُخْبِرِي عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتِهَا فَعَاتَبَهَا وَلَمْ يُعَاتِبْهَا عَلَى أَمْرِ الْخِلَافَةِ
فَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عن بعض وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ بِتَمَامِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعْفٌ ثُمَّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَ سَبَبًا لِاعْتِزَالِهِنَّ وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعَةِ صَدْرِهِ وَكَثْرَةِ صَفْحِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ حَتَّى تَكَرَّرَ مُوجِبُهُ مِنْهُنَّ
قَالَ وَالرَّاجِحُ مِنَ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا قِصَّةُ مَارِيَةَ لِاخْتِصَاصِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ بِهَا بِخِلَافِ الْعَسَلِ فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُنَّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَسْبَابُ جَمِيعُهَا اجْتَمَعَتْ فَأُشِيرَ إِلَى أَهَمِّهَا
وَيُؤَيِّدُهُ شُمُولُ الْحَلِفِ لِلْجَمِيعِ وَلَوْ كَانَ مَثَلًا فِي قِصَّةِ مَارِيَةَ فَقَطْ لَاخْتَصَّ بِحَفْصَةَ وَعَائِشَةَ انْتَهَى
وَقَوْلُهُ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَيُرْوَى حتى عاتبه إنه وَهَذِهِ هِيَ الْأَظْهَرُ وَعَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لك تبتغي مرضات أزواجك فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَيْ لَيْلَةً (دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ أَنَّ مَنْ غَابَ عَنْ أَزْوَاجِهِ ثُمَّ حَضَرَ يَبْدَأُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ وَلَا أَنْ يُقْرِعَ كَذَا قِيلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْبَدَاءَةُ بِعَائِشَةَ لِكَوْنِهِ اتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَهَا قَالَهُ الْحَافِظُ قَالَ يَا عَائِشَةُ إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ شَيْئًا فَلَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ إِلَخْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ (وَلَمْ يَبْعَثْنِي

الصفحة 162