كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 9)

مِنْهَا أَيِ اعْتَرَضَ وَبَدَا لَكَ إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ فَإِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا أَيْ مِقْدَارَ بُعْدِ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِمَّا وَاحِدَةٌ وَإِمَّا اثْنَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً قيل وإما وأو لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَقِيلَ لِلتَّنْوِيعِ
قَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ الرواية في خمس مائة أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ قُوَّةِ الْمَلَكِ وَضَعْفِهِ وَخِفَّتِهِ وَثِقَلِهِ فَيَكُونُ بِسَيْرِ الْقَوِيِّ أَقَلَّ وَبِسَيْرِ الضَّعِيفِ أَكْثَرَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا وَاحِدَةٌ وَإِمَّا اثْنَتَانِ وَإِمَّا ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً انْتَهَى
قَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ بالسبعون فِي الْحَدِيثِ التَّكْثِيرُ لَا التَّحْدِيدُ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَبَيْنَ سماء وسماء مسيرة خمس مائة عَامٍ وَالسَّمَاءُ الَّتِي فَوْقَهَا أَيْ فَوْقَ سَمَاءِ الدُّنْيَا كَذَلِكَ أَيْ فِي الْبُعْدِ وَفَوْقَ ذَلِكَ أَيِ الْبَحْرِ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ جَمْعُ وَعْلٍ وَهُوَ الْعَنْزُ الْوَحْشِيُّ وَيُقَالُ لَهُ تَيْسُ شَاةِ الْجَبَلِ وَالْمُرَادُ مَلَائِكَةٌ عَلَى صُورَةِ الْأَوْعَالِ بَيْنَ أَظْلَافِهِنَّ جَمْعُ ظِلْفٍ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لِلْبَقَرِ وَالشَّاةِ وَالظَّبْيِ بِمَنْزِلَةِ الْحَافِرِ لِلدَّابَّةِ وَالْخُفِّ لِلْبَعِيرِ وَرُكَبِهِنَّ جَمْعُ رُكْبَةٍ ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِنَّ الْعَرْشُ أَيْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَيْهَا بَيْنَ أَسْفَلِهِ أَيِ الْعَرْشِ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ أَيْ من كشرة الْبُعْدِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْحَدِّ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ بِجَنْبِ الْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ فِي حَدِيثِ وَاللَّهُ فَوْقَ ذَلِكَ أَيْ فَوْقَ الْعَرْشِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ والتابعين وغيرهم من أهل العلم رضوان الْعِلْمِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ
قَالُوا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بِلَا كَيْفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَأْوِيلٍ وَالِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالْجَهْمِيَّةُ قَدْ أَنْكَرُوا الْعَرْشَ وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ فَوْقَهُ وَقَالُوا إِنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَلَهُمْ مَقَالَاتٌ قَبِيحَةٌ بَاطِلَةٌ وَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى دَلَائِلِ مَذْهَبِ السَّلَفِ وَالِاطِّلَاعَ عَلَى رَدِّ مَقَالَاتِ الْجَهْمِيَّةِ الْبَاطِلَةِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَ كِتَابَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ وَكِتَابَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لِلْبُخَارِيِّ وَكِتَابَ الْعُلُوِّ لِلذَّهَبِيِّ وَأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فوقهم يومئذ ثمانية قَوْلُهُ (أَلَا) حَرْفُ التَّحْضِيضِ (حَتَّى يُسْمَعَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (هَذَا الْحَدِيثُ) أَيْ لِمَ لَا يَحُجُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ حَتَّى يُسْمَعَ مِنْهُ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ

الصفحة 165