كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 9)
الرُّكُوعِ (قَالَ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ الْآتِيَةِ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَنَصْبِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ اللَّامِ وَرَفْعِهَا وَالنَّصْبُ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهُ حَمْدًا لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِعِظَمِهِ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ سَجَدَ وَجْهِي أَيْ خَضَعَ وَذَلَّ وَانْقَادَ فَصَوَّرَهُ زَادَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ فَأَحْسَنَ صُوَرَهُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ أَيِ الْمُصَوِّرِينَ وَالْمُقَدِّرِينَ فَإِنَّهُ الْخَالِقُ الْحَقِيقِيُّ الْمُنْفَرِدُ بِالْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ وَغَيْرُهُ إِنَّمَا يُوجِدُ صُوَرًا مُمَوَّهَةً لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ حَقِيقَةِ الْخَلْقِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وصنعته والله خلقكم وما تعملون ثُمَّ يَكُونُ أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ مَا قَدَّمْتُ مِنْ سَيِّئَةٍ وَمَا أَخَّرْتُ مِنْ عَمَلٍ أَيْ جَمِيعَ مَا فُرِّطَ مِنِّي قَالَهُ الطِّيبِيُّ
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا أَخَّرْتُ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا وَقَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ قَبْلَ الذَّنْبِ مُحَالٌ كَذَا قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ
قَالَ الْأَسْنَوِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمُحَالُ إِنَّمَا هُوَ طَلَبُ مَغْفِرَتِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَأَمَّا الطَّلَبُ قَبْلَ الْوُقُوعِ أَنْ يَغْفِرَ إِذَا وَقَعَ فَلَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَيْ جَمِيعَ الذُّنُوبِ لِأَنَّهَا إِمَّا سِرٌّ أَوْ عَلَنٌ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قدم من شاء بالتوفيق إلى مقدمات السَّابِقِينَ وَأَخَّرَ مَنْ شَاءَ عَنْ مَرَاتِبِهِمْ وَقِيلَ قَدَّمَ مَنْ أَحَبَّ مِنْ أَوْلِيَائِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ عَبِيدِهِ وَأَخَّرَ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَ وَلَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وأبو داود والنسائي مطولا وبن ماجة مختصرا وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
الصفحة 266