كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 9)

6 سورة الملك (26 29)
مشاركينَ لهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في الوعدِ وتلاوةِ الآياتِ المتضمنةِ له وجوابُ الشرطِ محذوفٌ أي إنْ كنتُم صادقينَ فيما تخبرونَهُ من مجىءِ الساعةِ والحشرِ فبيِّنُوا وقتَهُ
{قُلْ إِنَّمَا العلم} أي العلمُ بوقتِهِ {عَندَ الله} عزَّ وجلَّ لا يطلعُ عليهِ غيرُهُ كقولِهِ تعالَى قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّى {وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أنذركُم وقوعَ الموعودِ لا محالةَ وأما العلمُ بوقتِ وقوعِهِ فليسَ من وظائفِ الإنذارِ والفاءُ في قوله تعالى
{فَلَمَّا رَأَوْهُ} فصيحةٌ معربةٌ عن تقديرِ جملتينِ وترتيبِ الشرطيةِ عليهِمَا كأنَّه قيلَ وقد أتاهُم الموعودُ فرأَوهُ فلما رأوه الى آخر كما مرَّ تحقيقُهُ في قوله تعالى فَلَمَّا رَآهُ مُستقرّاً عِندَه إلاَّ أنَّ المقدرَ هُناكَ أمرٌ واقعٌ مرتبٌ على ما قبلَهُ بالفاءِ وهَهُنَا أمرٌ منزلٌ منزلةَ الواقعِ واردٌ على طريقةِ الاستئنافِ وقولُهُ تعالَى {زُلْفَةً} حالٌ من مفعولِ رَأَوْا إمَّا بتقديرِ المضافِ أيْ ذَا زُلفةٍ وقربٍ أو على أنَّه مصدرٌ بمَعْنَى الفاعلِ أي مُزدَلِفاً أو على أنَّه مصدرٌ نُعت بهِ مبالغةً أو ظرفٌ أيْ رَأَوهُ في مكانٍ ذِي زُلفةٍ {سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ} بأنْ غشيتها الكآبة ورهفها القَترُ والذلةُ ووضعُ الموصولِ موضعَ ضميرِهِم لذمِّهِم بالكُفرِ وتعليلِ المساءةِ بهِ {وَقِيلَ} توبيخاً لهم وتشديداً لعذابِهِم {وقيل هذا الذى كنتم به تَدَّعُونَ} أي تطلبُونَهُ في الدُّنيا وتستعجلونَهُ إنكاراً واستهزاءً على أنَّه تفتعلونَ من الدعاءِ وقيلَ هو من الدَّعْوَى أي تدَّعُونَ أنْ لا بعثَ ولا حشرَ وقُرِىءَ تَدْعُون هَذا وقَدْ رُويَ عن مجاهدٍ أن الموعودَ عذابُ يومِ بدرٍ وهو بعيد
{قل أرأيتم} أي أخبروني {إِنْ أَهْلَكَنِىَ الله} أي أماتَنِي والتعبيرُ عنه بالإهلاكِ لما كانُوا يدعون عليه صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنينَ بالهلاكِ {وَمَن مَّعِى} مِنَ المؤمنينَ {أَوْ رَحِمَنَا} بتأخيرِ آجالِنَا فنحنُ في جوارِ رحمَتِهِ متربصونَ لإحدَى الحُسنيينِ {فَمَن يُجِيرُ الكافرين مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} أي لا ينجِّيكُم منهُ أحدٌ مِتنا أو بَقِينا ووضعُ الكافرينَ موضعَ ضميرِهم للتسجيلِ عليهِم بالكفرِ وتعليلِ نَفي الإنجاءِ بهِ
{قُلْ هُوَ الرحمن} أي الذي أدعُوكم إلى عبادَتِهِ مولى النعم كلها {آمنا بِهِ} وحدَهُ لَمَّا علمنَا أنَّ كلَّ ما سواهُ إما نعمةٌ أو مُنعَمٌ عليهِ {وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} لا على غيرِه أصلاً لعلِمنا بأنَّ ما عداهُ كائناً ما كانَ بمعزلٍ من النفعِ والضُّرِّ {فَسَتَعْلَمُونَ} عن قريبٍ البتةَ {مَنْ هُوَ فِى ضلال مُّبِينٍ} منَّا ومنكُم وقُرِىءَ فسيعلمُونَ بالياءِ التحتانية
{قل أرأيتم} أي أخبرونِي {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً} أي غائراً في الأرضِ بالكليةِ وقيلَ بحيثُ لا تنالُهُ الدِّلاءُ وهو مصدر

الصفحة 10