كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 9)

68 سورة القلم (45 50)
به والا نتقام منهُ أنْ تَكِلَ امرَهُ إليَّ وتُخلِّي بينِي وبينَهُ فإنِّي عالمٌ بمَا يستحقُّه من العذابِ ومطيقٌ لهُ والفاءُ لترتيبِ الأمرِ على ما قبلَهَا من أحوالِهِم المحكيةِ أيْ وإذَا كانِ حالُهم في الآخرةِ كذلكَ فذرنى ومن يكذب بهذا القرآنِ وتوكلْ عليَّ في الانتقامِ منْهُ وقولُه تعالَى {سَنَسْتَدْرِجُهُم} استئنافٌ مسوقٌ لبيانِ كيفيةِ التعذيبِ المُستفادِ من الأمرِ السابقِ إجمالاً والضميرُ لمَنْ والجمعُ باعتبارِ معناهَا كما أن الإفراد في يكذِّبُ باعتبارِ لفظِهَا أي سنستنزِلُهُم إلى العذابِ درجةً فدرجةً بالإحسانِ وإدامةِ الصحةِ وازديادِ النعمةِ {مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} أنه استدراجٌ وهو الإنعامُ عليهِم بلْ يزعمونَ أنه إيثارٌ لهُم وتفضيل على المؤمينين مع أنَّهُ سببٌ لهلاكِهِم
{وَأُمْلِى لَهُمْ} وأُمْهِلُهُم ليزدادُوا إِثماً وهم يزعمونَ أنَّ ذلكَ لإرادةِ الخيرِ بهِم {إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ} لا يُوقفُ عليهِ ولا يُدفعُ بشيءٍ وتسميةُ ذلكَ كيداً لكونِهِ في صورةِ الكيدِ
{أم تسألهم} على الإبلاغِ والإرشادِ {أَجْراً} دنيوياً {فَهُمُ} لأجلِ ذلكَ {مّن مَّغْرَمٍ} أي غرامةٍ ماليةٍ {مُّثْقَلُونَ} مكلفونَ حملاً ثقيلاً فيُعرضونَ عنْكَ
{أَمْ عِندَهُمُ الغيب} أي اللوحُ أو المغيباتُ {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} منْهُ ما يحكمُون ويستغنُونَ بهِ عن علمِكَ
{فاصبر لِحُكْمِ رَبّكَ} وهو إمهالُهُم وتأخيرُ نصرتِكَ عليهِم {وَلاَ تَكُن كصاحب الحوت} أي يونسُ عليهِ السَّلامُ {إِذ نادى} في بطنِ الحوتِ {وَهُوَ مَكْظُومٌ} مملوءٌ غيظاً والجملةُ حالٌ من ضميرِ نادَى وعليها يدورُ النهي لا على النداءِ فإنه أمرٌ مستحسنٌ ولذلكَ لم يُذكرِ المُنادَى وإذْ منصوبٌ بمضافٍ محذوفٍ أي لا يكُن حالُك كحالِه وقتَ ندائِهِ أي لا يُوجدُ منكَ ما وُجدَ منْهُ من المضجر والمُغاضبةِ فتبتلى ببلائِهِ
{لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رَّبّهِ} وقُرِىءَ رحمةٌ وهُو توفيقُهُ للتوبةِ وقبولُهَا منْهُ وحسُنَ تذكيرُ الفعلِ للفصلِ بالضميرِ وقُرِىءَ تداركتْهُ وتَداركُهُ أي تتداركهُ على حكايةِ الحالِ الماضيةِ بمَعْنَى لولا أنْ كانَ يقالُ تتداركه {لَنُبِذَ بالعراء} بالأرضِ الخاليةِ من الأشجارِ {وَهُوَ مَذْمُومٌ} مُليمٌ مطرودٌ من الرحمةِ والكرامةِ وهو حالٌ من مرفوعِ نُبذَ عليهَا يعتمدُ جوابُ لولا لأنَّها هي المنتفية لا النبذُ بالعراءِ كما مرَّ في الحالِ الأُولى والجملة الشرطية استئناف وارد لبيانِ كونِ المنهيِّ عنْهُ أمراً محذوراً مستتبعاً للغائلةِ وقولُهُ تعالَى
{فاجتباه رَبُّهُ} عطفٌ على مقدرٍ أي فتداركتْهُ نعمةٌ من ربِّه فاجتباهُ بأنْ ردَّ إليهِ الوحيَ وأرسلَهُ الى

الصفحة 19