كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 9)

70 سورة المعارج (40 44)
واستهزائه برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم وبما نزلَ عليهِ منَ الوحيِ وادعائِهِم دخولَ الجنةِ بطريق السخرية وينشء بدلَهُم قوماً آخرينَ فإن قدرَتَهُ تعالَى على ما يعلمونَ من النشأةِ الأُولى حجةٌ بينةٌ على قدرتِهِ تعالَى على ذَلكَ كما يُفصح عنهُ الفاءُ الفصيحةٌ في قوله تعالى
{فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبّ المشارق والمغارب} والمَعْنَى إِذا كانَ الأمرُ كَما ذكر من إنا خلقناهم مما يعلمون فأقسمُ بربِّ المشارقِ والمغاربِ {إِنَّا لقادرون}
{على أَن نُّبَدّلَ خَيْراً مّنْهُمْ} أيْ نُهلكهُم بالمرةِ حسبَما تقتضيهِ جناياتُهُم ونأتي بدلَهُم بخلقٍ آخرينَ ليسُوا على صفتِهِم {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} بمغلوبينَ إنْ أرَدْنَا ذلكَ لكنْ مشيئتُنا المبنيةُ على الحِكَمِ البالغةِ اقتضتْ تأخيرَ عقوباتِهِم
{فَذَرْهُمْ} فخلِّهِم وشأنَهُم {يَخُوضُواْ} في باطِلِهِم الذي من جُمْلَتِهِ ما حُكِيَ عنهُم {وَيَلْعَبُواْ} في دُنياهُم {حتى يلاقوا يَوْمَهُمُ الذى يُوعَدُونَ} وهو يومُ البعثِ عند النفخةِ الثانيةِ لا يومُ النفخةِ الأُولى كما توهمَ فإنَّ قولَهُ تعالَى
{يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} بدلٌ منْ يومِهِم وقُرِىءَ يُخرجونَ على البناءِ للمفعولِ من الإخراجِ {سِرَاعاً} حالٌ من مرفوعِ يخرجونَ أي مسرعينَ {كَأَنَّهُمْ إلى نُصُبٍ} وهو كلُّ ما نُصِبَ فعبدَ من دونِ الله تعالَى وقُرِىءَ بسكونِ الصَّادِ وبفتحِ النونِ وسكونِ الصادِ أيضاً {يُوفِضُونَ} يُسرعونَ
{خاشعة أبصارهم} وصفتْ أبصارُهُم بالخشوعِ معَ أنه وصفُ الكلِّ لغايةِ ظهورِ آثارِهِ فيها {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} تغشاهُم ذِلةٌ شديدةٌ {ذلك} الذي ذُكِرَ ما سيقعُ فيهِ من الأحوالِ الهائلةِ {اليوم الذى كَانُواْ يُوعَدُونَ} في الدنيا عنِ النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم مَنْ قرأَ سورةَ سألَ سائلٌ أعطاهُ الله تعالى ثوابَ الذينَ هُم لأماناتِهِم وعهدهم راعون

الصفحة 35