كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 9)

سورة القيامة (24 33)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ شديدةُ العبوسِ وهيَ وجوهُ الكفرةِ
تَظُنُّ يتوقعُ أربابُها
أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ داهيةٌ عظيمةٌ تقصمُ فقارَ الظهرِ
كَلاَّ ردعٌ عنْ إيثارِ العاجلةِ عَلى الآخرةِ أيْ ارتدعُوا عنْ ذلكَ وتنبهُوا لما بينَ أيديكُم منَ الموتِ الذي ينقطعُ عندَهُ ما بينكُم وبينَ العاجلةِ منَ العلاقةِ
إِذَا بَلَغَتِ التراقى أيْ بلغتْ النفسُ أعاليَ الصَّدرِ وهيَ العظامُ المكتنفة لثغرة النحر عنْ يمينٍ وشمالٍ
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ أيْ قالَ مَن حضرَ صاحبَها مِنْ يرقيهِ وينجيهِ مما هُو فيهِ مِنَ الرقيةِ وقيلَ هُو مِنْ كلامِ ملائكةِ الموتِ أيكُم يَرقَى بروحِه ملائكةُ الرحمةِ أو ملائكةُ العذابِ مِنَ الرُّقِيِّ
وَظَنَّ أَنَّهُ الفراق وأيقنَ المحتضرُ أنَّ ما نزلَ به الفراق مِنَ الدنيا ونعيمِها
والتفت الساق بالساق والتفتْ ساقُه بساقِه والتوتْ عليهَا عندَ حلولِ الموتِ وقيلَ هُما شدةُ فراقِ الدُّنيا وشدةُ إقبالِ الآخرةِ وقيلَ هما ساقاهُ حينَ تلفانِ في أكفانِه
إلى رَبّكَ يَوْمَئِذٍ المساق أيْ إلى الله وإلى حكمِه يساقُ لا إلى غيرِه
فَلاَ صَدَّقَ ما يجبُ تصديقه من الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآنِ الذي نزلَ عليهِ أو فلاَ صدقَ مالَه ولا زكَّاهُ
وَلاَ صلى ما فُرضِ عليهِ والضميرُ فيهمَا للإنسانِ المذكورِ في قوله تعالى أيحسب الإنسان وفيه دلالة على أن الكفار مخاطبون بالفروع في حَقِّ المؤاخذةِ كما مَرَّ
{ولكن كَذَّبَ} مَا ذُكرَ منَ الرسولِ والقرآنِ {وتولى} عنِ الطاعةِ
ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى يتبخترُ افتخاراً بذلكَ من المط فإن المبتختر يمد خطاهُ فيكونُ أصلُه يتمطط

الصفحة 68