كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 9)

يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ
«1» .
وقال- سبحانه-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا، هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ «2» .
قال ابن كثير: وهذه الآية كقوله- تعالى-: قالَ فِيها تَحْيَوْنَ، وَفِيها تَمُوتُونَ، وَمِنْها تُخْرَجُونَ «3» .
وفي الحديث الذي في السنن أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حضر جنازة فلما دفن الميت أخذ قبضة من التراب فألقاها في القبر ثم قال: «منها خلقناكم» ثم أخذ أخرى وقال: «وفيها نعيدكم» ثم أخرى وقال: «ومنها نخرجكم تارة أخرى» «4» .
وقوله- تعالى-: وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى بيان للموقف الجحودى الذي وقفه فرعون من الحجج والمعجزات التي طرحها أمامه موسى- عليه السلام-.
وأريناه: من الرؤية البصرية المتعدية إلى مفعول واحد فلما دخلت عليها الهمزة تعدت إلى اثنين أولهما الهاء والثاني آياتنا.
والإضافة في آياتِنا قائمة مقام التعريف العهدي. أى: آياتنا المعهودة لموسى، والتي على رأسها اليد والعصا.
والمعنى: ولقد أرينا فرعون بعينيه آياتنا كلها الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وصدق نبينا موسى، فكانت نتيجة ذلك أن كذب بها، وأبى أن يستجيب للحق..
كما قال- تعالى-: وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ «5» .
وكما قال- سبحانه-: فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ «6» .
والآية الكريمة تؤكد جحود فرعون وطغيانه بجملة من المؤكدات، وهي لام القسم، وقد، والرؤية البصرية، ولفظ «كل» الدال على الشمول والإحاطة.
والفاء في قوله فَكَذَّبَ للتعقيب، أى: فكذب بدون تريث أو تمهل.
والمفعول محذوف. أى: فكذب الآيات أو فكذب موسى بدون تردد أو تأخير.
والتعبير بقوله فَكَذَّبَ وَأَبى لزيادة ذمه وتحقير شأنه. لأنه لم يكتف بالتكذيب بل أضاف إلى ذلك الامتناع عن قبول الآيات، والجحود لها، والتعالي على من جاء بها كما ينبئ
__________
(1) سورة المعارج الآيتان 42، 43.
(2) سورة يس الآيتان 51، 52.
(3) سورة الأعراف الآية 25.
(4) تفسير ابن كثير ج 3 ص 292.
(5) سورة الأعراف الآية 132.
(6) سورة الزخرف الآية 47.

الصفحة 117