كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 9)

3- أنه لا بد من التعسف في بيان أن السامري كيف اختص من بين جميع الناس برؤية جبريل ومعرفته؟ ثم كيف عرف أن لتراب حافر فرسه هذا الأثر؟ والذي ذكروه أن جبريل هو الذي رباه بعيد.. «1» .
وقد رد الإمام الآلوسى على الإمام الفخر الرازي- رحمهما الله- فقال ما ملخصه:
1- عهد في القرآن الكريم إطلاق الرسول على جبريل، كما في قوله- تعالى-:
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. وعدم جريان ذكره فيما تقدم لا يمنع أن يكون معهودا، ويجوز أن يكون إطلاق الرسول عليه كان شائعا في بنى إسرائيل.
2- تقدير المضاف في الكلام أكثر من أن يحصى، وقد عهد ذلك في كتاب الله غير مرة.
3- رؤية السامري دون غيره لجبريل، كان ابتلاء من الله- تعالى- ليقضى الله أمرا كان مفعولا، ومعرفته تأثير ذلك الأثر دون غيره كانت بسبب ما ألقى في روعه من أنه لا يلقيه على شيء فيقول له كن كذا إلا كان- كما في خبر ابن عباس- أو كانت لما شاهد من خروج النبات بالوطء- كما في بعض الآثار-.. «2» .
ويبدو لنا أن ما ذهب إليه أبو مسلم، أقرب إلى ما يفيده ظاهر القرآن الكريم، إذا ما استبعدنا تلك الروايات التي ذكرها المفسرون في شأن السامري وفي شأن رؤيته لجبريل.
ولا نرى حرجا في استبعادها، لأنها عارية عن السند الصحيح إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم أو إلى أصحابه، ويغلب على ظننا أنها من الإسرائيليات التي نرد العلم فيها إلى الله- تعالى-.
وقوله- سبحانه-: قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ حكاية لما قاله موسى- عليه السلام- للسامري.
والمساس: مصدر ماسّ- بالتشديد- كقتال من قاتل، وهو منفي بلا التي لنفى الجنس.
والمعنى: قال موسى للسامري: مادمت قد فعلت ذلك فاذهب، فإن لك في مدة حياتك، أن تعاقب بالنبذ من الناس، وأن تقول لهم إذا ما اقترب أحد منك: لا مِساسَ أى لا أمسّ أحدا ولا يمسّنى أحد، ولا أخالط أحدا ولا يخالطني أحد.
قال صاحب الكشاف: عوقب في الدنيا بعقوبة لا شيء أطم منها وأوحش وذلك أنه منع من مخالطة الناس منعا كليا، وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومكالمته ومبايعته ومواجهته، وكل ما يعايش به الناس بعضهم بعضا. وإذا اتفق أن يماس أحدا- رجلا أو امرأة- حم الماس والممسوس-
__________
(1) راجع تفسير الفخر الرازي ج 6 ص 71.
(2) راجع تفسير الآلوسى ج 16 ص 254.

الصفحة 146