كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 9)

قال الآلوسى: «أخرج أبو نعيم، وابن مردويه، والديلمي، عن ابن عباس، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال في ذلك: «أعطى الفهم والعبادة وهو ابن سبع سنين» «1» .
وقال الجمل في حاشيته: «فإن قلت: كيف يصح حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا؟.
قلت: لأن أصل النبوة مبنى على خرق العادات. إذا ثبت هذا. فلا تمنع صيرورة الصبى نبيا. وقيل: أراد بالحكم فهم الكتاب فقرأ التوراة وهو صغير.. «2» .
والذي تطمئن إليه النفس وعليه جمهور المفسرين أن المراد بالحكم هنا: العلم النافع مع العمل به، وذلك عن طريق حفظ التوراة وفهمها وتطبيق أحكامها.
قال ابن كثير: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا أى: الفهم والعلم والجد والعزم، والإقبال على الخير، والإكباب عليه، والاجتهاد فيه، وهو صغير حدث.
قال عبد الله بن المبارك: قال معمر: قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خلقنا. قال: فلهذا أنزل الله: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا «3» .
وقوله- تعالى-: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا معطوف على الْحُكْمَ.
أى: وأعطيناه الحكم صبيا، وأعطيناه حنانا ...
قال القرطبي ما ملخصه: «الحنان: الشفقة والرحمة والمحبة، وهو فعل من أفعال النفس ...
وأصله: من حنان الناقة على ولدها ... قال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ... حنانيك بعض الشر أهون من بعض «4»
والمعنى: منحنا يَحْيى الحكم صبيا، ومنحناه من عندنا وحدنا رحمة عظيمة عليه، ورحمة في قلبه جعلته يعطف على غيره، وأعطيناه كذلك زكاة أى: طهارة في النفس، أبعدته عن ارتكاب ما نهى الله عنه، وجعلته سباقا لفعل الخير وَكانَ تَقِيًّا أى مطيعا لنا في كل ما نأمره به، أو ننهاه عنه.
ثم أضاف- سبحانه- إلى تلك الصفات الكريمة ليحيى صفات أخرى فقال:
__________
(1) تفسير الآلوسى ج 16 ص 72.
(2) حاشية الجمل على الجلالين ج 3 ص 54.
(3) تفسير ابن كثير ج 3 ص 113.
(4) تفسير القرطبي ج 11 ص 87.

الصفحة 21