كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 9)

والإد والإدة- بكسر الهمزة- الأمر الفظيع والداهية الكبيرة. يقال: فلان أدته الداهية فهي تئده وتؤدة، إذا نزلت به وحطمت كيانه.
وقوله- سبحانه-: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ... في موضع الصفة لقوله إِدًّا.
أى: لقد جئتم بقولكم هذا أمرا منكرا فظيعا، تكاد السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ أى:
يتشققن من هوله، من التفطير بمعنى التشقيق، يقال: فلان فطر هذا الشيء يفطره- بكسر الطاء وضمها- إذا شقه. وقرأ حمزة وابن عامر ينفطرن من الانفطار وهو الانشقاق- أيضا-.
وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ أى: وتتصدع الأرض من عظمه، وتنخسف بهؤلاء القائلين ذلك القول الفاسد، وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أى: وتسقط الجبال مهدودة- أيضا- من فظاعة هذا القول. يقال: هذا الجدار يهده- بضم الهاء- هدا: إذا هدمه.
وقوله: أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً بمنزلة التعليل لما قبله مع تقدير لام التعليل المحذوفة.
أى: تكاد السموات يتفطرن والأرض تتشقق، والجبال تنهد، لأن هؤلاء الضالين قد زعموا أن الله- تعالى- ولدا، والحال أنه ما يصح وما يليق أن يتخذ الرحمن ولدا، لأنه- سبحانه- غنى عن العالمين.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه: «إن قلت: ما معنى هذا التأثر من أجل هذه الكلمة؟.
قلت: فيه وجهان: أحدهما أن الله- سبحانه- يقول: كدت أفعل هذا بالسموات والأرض والجبال عند وجود هذه الكلمة غضبا منى على من تفوه بها.. لولا أنى لا أعجل بالعقوبة ...
والثاني: أن يكون استعظاما للكلمة، وتهويلا من فظاعتها وتصويرا لأثرها في الدين، وهدمها لأركانه وقواعده، وأن مثال ذلك الأثر في المحسوسات: أن يصيب هذه الأجرام العظيمة التي هي قوام العالم: ما تنفطر منه وتنشق وتخر..» «1» .
وقال الإمام القرطبي: «نفى عن نفسه- سبحانه وتعالى- الولد، لأن الولد يقتضى الجنسية والحدوث.. ولا يليق به ذلك، ولا يوصف به، ولا يجوز في حقه ...
__________
(1) تفسير الكشاف ج 3 ص 44.

الصفحة 74