كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 9)

بسرعة وخفة حركة ووصفها- سبحانه- هنا بأنها حَيَّةٌ تَسْعى، ووصفها في سورة الشعراء بأنها ثُعْبانٌ مُبِينٌ «1» ووصفها في سورة النمل بأنها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ «2» .
ولا تنافى بين هذه الأوصاف، لأن الحية اسم جنس يطلق على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والثعبان: هو العظيم منها، والجان: هو الحية الصغيرة الجسم، السريعة الحركة.
وقد صرحت بعض الآيات أن موسى- عليه السلام- عند ما رأى عصاه قد تحولت إلى ذلك، ولى مدبرا ولم يعقب. قال- تعالى-: وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ ...
ولكن الله- تعالى- ثبت فؤاده، وطمأن نفسه: قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ أى: خذ هذه الحية التي تحولت عصاك إليها ولا تخف منها، كما هو الشأن في الطبائع البشرية، فإنا سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى أى: سنعيد هذه الحية إلى هيئتها الأولى التي كانت عليها قبل أن تصير حية تسعى، وهي أن نعيدها بقدرتنا التي لا بعجزها شيء إلى عصا كما كانت من قبل.
فالجملة الكريمة مسوقة لتعليل وجوب الامتثال للأمر وعدم الخوف، أى: خذها ولا تخف منها، فإن هذه الحية سنرجعها عصا كما كانت من قبل.
وقوله- تعالى- سِيرَتَهَا فعلة من السّير، وهي الحالة والهيئة التي يكون عليها الإنسان، وهو منصوب بنزع الخافض. أى: سنعيدها إلى هيئتها وحالتها الأولى.
قالوا: ومن الحكم التي من أجلها حول الله- تعالى- العصا إلى حية تسعى: توطين قلب موسى- عليه السلام- على ذلك، حتى لا يضطرب إذا ما تحولت إلى ثعبان عظيم عند ما يلقيها أمام فرعون وقومه.
فقد جرت عادة الإنسان أن يقل اضطرابه من الشيء العجيب الغريب بعد رؤيته له لأول مرة.
ثم وجه- سبحانه- أمرا آخر إلى عبده موسى فقال: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى.
والضم: الجمع. يقال: ضم فلان أصابعه إذا جمعها. والجناح، يطلق على العضد وعلى الجنب، وعلى الإبط. وأصله جناح الطائر وسمى بذلك لأنه يجنحه، أى: يميله عند الطيران، ثم توسع فيه فأطلق على العضد وغيره.
__________
(1) الآية 32.
(2) الآية 10.

الصفحة 97