كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 9)

طاقة لي بحمل أعباء هذه الرسالة.
قال صاحب الكشاف: «لما أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغي- لعنه الله- عرف أنه كلف أمرا عظيما، وخطبا جسيما يحتاج معه إلى احتمال مالا يحتمله إلا ذو جأش رابط، وصدر فسيح، فاستوهب ربه أن يشرح صدره، ويفسح قلبه، ويجعله حليما حمولا يستقبل ما عسى يرد عليه من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر.. وأن يسهل عليه في الجملة أمره الذي هو خلافة الله في أرضه، وما يصحبها من مزاولة معاظم الشئون، ومقاساة جلائل الخطوب. «1» .
وقوله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي دعاء ثالث تضرع به إلى خالقه- تعالى- أى: وأسألك يا رب أن تحل عقدة من لساني حتى يفهم الناس قولي لهم، وحديثي معهم، فهما يتأتى منه المقصود، فمن للتبعيض، أى: واحلل عقده كائنة من عقده.
وقد روى أنه كان بلسانه حبسة، والأرجح أن هذا هو الذي عناه، ويؤيده قوله- تعالى- في آية أخرى: وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي، إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ «2» .
قال ابن كثير: «ذلك لما كان أصابه من اللثغ، حين عرض عليه- فرعون- التمرة والجمرة، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه.. وما سأل أن يزول ذلك بالكلية، بل حيث يزول العي، ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة ولو سأل الجميع لزال، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بقدر الحاجة، ولهذا بقيت بقية.
قال الحسن البصري: سأل موسى ربه أن يحل عقدة واحدة من لسانه، ولو سأل أكثر من ذلك لأعطى «3» .
وقوله- سبحانه-: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي دعاء آخر تضرع به إلى ربه في أمر خارجى عنه، بعد أن دعاه في أمر يتعلق بصدره ولسانه.
وقوله: وَزِيراً من الموازرة وهي المعاونة. يقال: وازرت فلانا موازرة، إذا أعنته على أمره. أو من الوزر- بفتح الواو والزاى- وهو الملجأ الذي يعتصم به الإنسان لينجو من الهلاك.
أى: وأسألك- يا إلهى- أن تجعل لي «وزيرا» أى: معينا وظهيرا من أهلى في إبلاغ
__________
(1) تفسير الكشاف ج 3 ص 60.
(2) سورة القصص الآية 34.
(3) راجع تفسير ابن كثير ج 5 ص 276. [.....]

الصفحة 99