كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 9)
الحديث الرابع والأربعون
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ أَوْ لاَ يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ.
قوله: أما يخشى أحدكم، في رواية الكُشْمِيَهنِيّ "أو لا يخشى" ولأبي داود عن حفص بن عمر "أما يخشى"، وألا يخشى بالشك، "وأما" بتخفيف الميم، حرف استفتاح، مثل ألا، وأصلها النافية، دخلت عليها همزة الاستفهام، وهو هنا استفهام توبيخ. وقوله: إذا رفع رأسَه قبل الإمام، زاد ابن خُزَيْمَة "في صلاته" وفي رواية حفص بن عمر المذكورة "الذي يرفع رأسه والإمام ساجد" قال في الفتح: فتبين أن المراد الرفع من السجود، ففيه تعقب علي من قال إن الحديث نص في المنع من تقدم المأموم على الإمام في الرفع من الركوع والسجود معاً، وإنما هو نص في السجود، ويلتحق به الركوع، لكونه في معناه. ويمكن أن يفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية, لأنّ العبد أقرب ما يكون فيه من ربه, لأنه غاية الخضوع المطلوب منه، فلذلك خص بالتنصيص عليه، ويحتمل أن يكون من باب الاكتفاء، وهو ذكر أحد الشيئين المشتركين في الحكم إذا كان للمذكور مزية.
قلت: إنما احتاج صاحب الفتح لما ذكر لاتحاد المخرج في رواية البخاريّ وراوية أبي داود، فلابد من الجمع بينهما، ووجهه هو ما ذكره، وبهذا يعلم سقوط اعتراض العَيْنِيّ عليه، وأما المتقدم على الإِمام في الخفض للركوع والسجود، فقيل: يلتحق به من باب الأَولى, لأن الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الوسائل، والركوع والسجود من المقاصد، وإذا دل الدليل على وجوب الموافقة فيما هو وسيلة، فأولى أن يجب فيما هو مقصد، ويمكن أن يقال: ليس هذا بواضح, لأن الرفع من الركوع والسجود يستلزم قطعه عن غاية كماله، ودخول النقص في المفاسد أشد من دخوله في الوسائل، وقد ورد الزجر عن الخفض والرفع قبل الإمام في حديث آخر أخرجه البزار عن أبي هريرة مرفوعًا "الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان". وأخرجه عبد الرّزّاق من هذا الوجه موقوفًا، وهو المحفوظ.
وقوله: أو يجعل الله صورته صورة حمار، الشك من شُعْبَة، فقد رواه الطَّيالسِيّ عن حماد بن سَلَمة وابن خُزَيْمة عن حماد بن زيد ومُسْلِم عن يونس بن عُبَيْد والربيع بن مسلم، كلهم عن
الصفحة 5
500