كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

للسيئات مُطلقاً، وتكفير الحدود للكبائر كما يعرفُه من طالع كتب الحديث، ووقف على فضل الوضوء، والصلاة، والصوم، والحج، والصدقة ولو بِشقِّ تمرة، والجهاد ولو فُواقَ ناقةٍ (¬1)، وسائر الأعمال. ومنها ما وَرَدَ في السنة من التكفير للذنوب، والآلام، والمصائب، والحدود مع الإسلام، وهو صحيحٌ بالأدله الواضحة، وإن خالف الخصم فيه كما نُقرره إن شاء الله تعالى في آخر هذه المسألة.
وإذا ثبت ذلك فما المانع أن تكون الآية في تكفير الذنوب بالأعمال الصالحات، فمن اجتنب الكبائر عُوفيَ عافيةً تامَّةً في الدنيا والآخرة، ومن لابس بعض الكبائر غير الشرك، كُفِّرَ عنه بأنواعٍ مختلفةٍ من طاعاتٍ، وأمراضٍ، وبلاوي، ومخاوف، وعذاب القبر، والوقوع في النار حتى يُشْفَعَ له، وقد ورد الشرع بتكفير الحسنات للسيئات، ويدخل في عموم ذلك ما شاء الله من الكبائر، لقوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] وربما دل على ذلك بعض النصوص كما اتفقوا على صحته من حديث عبادة المتقدم في تكفير الكبائر بالحدود، وروى ابن أبي الحديد في شرح قول علي عليه السلام: أما إنه سيظهر عليكم رجلٌ رَحْبُ البُلعوم. في ذكرِ جماعةٍ من المُنْحرفين عنه عليه السلام، منهما رجلٌ يقال له: النجاشي من اليمانية، وأنه حده في الخمر فغضبت اليمانية، فقال عليه السلام: وهل هو إلاَّ رَجُلٌ من المسلمين انتَهَكَ حُرمةً من حُرَمِ الله، فأقمنا عليه حداً كان فيه كفارته (¬2). انتهى.
¬__________
(¬1) حديث صحيح رواه من حديث معاذ أحمد 5/ 230 - 231 و235 و244، والدارمي 2/ 201، وأبو داود (2541)، والترمذي (1657)، والنسائي 6/ 25، وابن ماجه (2792)، وعبد الرزاق (9534)، والطبراني 20/ (203) و (204) و (206) و (207)، وابن حبان (4618)، والبيهقي 9/ 170، والحاكم 2/ 77، ولفظه: " من قاتل في سبيل الله فُواق ناقته وجَبَتْ له الجنةُ "، وفواق الناقة: -بضم فائه وتفتح-. وهو قدر ما بين الحلبتين من الراحة.
(¬2) النجاشي: هو قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث بن كعب، شاعر مخضرم =

الصفحة 106