كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

وفيه شُهرةُ هذا الحكم في ذلك الصدر الأول بغير مناكرةٍ، وروى في شرح قوله عليه السلام: فأما السبُّ فسُبُّوني، لأن طارق بن عبد الله الجُهني النَّهدي غَضِبَ لغضب النجاشي وسار معه إلى معاوية، فتكلَّم معاوية بكلامٍ قبيح انتقص فيه علياً عليه السلام، فقام طارقٌ فأثنى عليه، عليه السلام حتى أغضب معاوية، فبلَغَ علياً عليه السلام، فقال: لو قُتِلَ الجهني يومئذٍ قُتِلَ شهيداً. وهذا يدل على الرجاء للعُصاة، لأنه بمفارقة علي عليه السلام عاصٍ لله تعالى ولإِمامِهِ مُصِرٌّ على ذلك، وفي كلامه إنما غَصِبَ كما غَضِبَ جَبَلَةُ بن الأيْهَم، ومن يعص الله عند غضبه يخرُجْ من العدالة خصوصاً في الخروج من الجماعة والطاعة، فإذا كان ذنب هذا يُغفر بثنائه على أمير المؤمنين عليه السلام، فكيفَ لا يُرجى مثل ذلك بالثناء على رب العالمين، والتوحيد له، والإخلاص، والخوف، والرجاء، وترك ذنوب الكفر، وكثير من ذنوب الإسلام، ويأتي مثله في حديث أمير المؤمنين عليه السلام من طرق، ومن طريق أهل البيت عليهم السلام عن الصادق، عن الباقر، عن زين العابدين، عن أبيه الحسين، عن علي عليه السلام، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من أحَبَّني وأحَبَّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في دَرَجتي يوم القيامة " رواه أهل البيت عليهم السلام وعبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " والترمذي (¬1)، ولم يذكر أحدٌ من روايه علي أمير المؤمنين عليه
¬__________
= من أشراف العرب إلاَّ أنه فاسق رقيق الإسلام كثير الهجو، شرب الخمر في رمضان فأتى به علي بن أبي طالب، فقال له: ويحك وِلداننا صيام وأنت مفطر، فضربه ثمانين سوطاً، وزاده عشرين سوطاً. أورد له ابن قتيبة في " الشعر والشعراء " 1/ 330 - 333 شيئاً من نظمه.
(¬1) ضعيف، أخرجه الترمذي (3738)، وعبد الله بن أحمد في زوائد " المسند " 1/ 77، وفي " فضائل الصحابة " (1185). وقال الترمذي: هذا حديث غريب كما في " التحفة " 7/ 364 ونفى الذهبي في " الميزان " 3/ 117 أن يكون الترمذي صححه أو حسنه.
وقال: حديث منكر جداً، وقال في " السير " 3/ 254: إسناده ضعيف والمتن منكر، وفي 12/ 135: ما في رواة الخمر إلاَّ ثقة ما خلا عليّ بن جعفر، فلعله لم يَضْبِطْ لفظ الحديث، وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - من حبه وبَثِّ فضيلةِ الحسنين ليجعل كل من أحبهما في درجته في الجنة، فلعله قال: فهو معي في الجنة، وقد تواتر قوله عليه السلام: " المرء مع من أحب ".

الصفحة 107