كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 9)

ولم يُتكلم فيه بشيءٍ إلاَّ أنهم خَطَّؤوه في حديث الشفعة (¬1) ووَثَّقُوه. وقال شعبة:
¬__________
(¬1) وهو حديث جابر رفعه: " الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإذ كان غائباً إذا كان طريقها واحداً " أخرجه أبو داود (3518)، والترمذي (1369)، وابن ماجه (2494) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر قال الترمذي: حديث حسن غريب، ولا يُعلم أحداً روى هذا الحديث غير عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر، وقد تكلم شعبة في عبد الملك بن أبي سليمان من أجل هذا الحديث، وعبد الملك ثقة مأمون عند أهل الحديث لا يُعلم أحداً تكلم فيه غير شعبة من أجل هذا الحديث.
وقال في " العلل الكبير " ص 571: سألتُ محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث، فقال: لا أعلم أحداً رواه عن عطاء غير عبد الملك بن أبي سليمان وتفرد به، ويُروى عن جابر خلاف هذا.
وقال صاحب " التنقيح " فيما نقله عنه الزيلعي في " نصب الراية " 4/ 174: واعلم أن حديث عبد الملك بن أبي سليمان حديث صحيح، ولا منافاة بينه وبين رواية جابر المشهورة -وهي الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة- فإن في حديث عبد الملك إذا كان طريقُها واحداً، وحديث جابر المشهور لم ينف فيه استحقاق الشفعة إلاَّ بشرط تصرف الطرق، فنقول: إذا اشترط الجاران في المنافع، كالبئر، أو السطح، أو الطريق، فالجار أحق بصقب جاره، لحديث عبد الملك، وإذا لم يشتركا في شيء من المنافع، فلا شفعة لحديث جابر المشهور، وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث، لا يقدح فيه، فإنه ثقة وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه ليجمع من الأحاديث، إذا ظهر تعارضها، إنما كان حافظاً، وغيرُ شعبة إنما طعن فيه تبعاً لشعبة؛ وقد احتج بعبد الملك مسلم في " صحيحه " واستشهد به البخاري، ويشبه أن يكونا إنما لم يخرجا حديثه هذا لتفرده به، وإنكاره الأئمة عليه فيه، وجعله بعضهم رأياً لعطاء، أدرجه عبد الملك في الحديث ووثقه أحمد، والنسائي، وابن معين والعجلي، وقال الخطيب: لقد أساء شعبة، حيث حدث عن محمد بن عبد الله العرزمي، وترك التحديث عن عبد الملك بن أبي سليمان، فإن العرزمي لم يختلف أهل الأثر في سقوط روايته، وعبد الملك ثناؤهم عليه مستفيض، والله أعلم.
وقال ابن القيم في " تهذيب السنن " 5/ 167: والذين ردُّوا حديث عبد الملك بن أبي سليمان ظنوا أنه معارضٌ لحديث جابر الذي رواه أبو سلمة عنه: " الشفعة فيما لم يُقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة " وفي الحقيقة لا تعارض بينهما، فإن منطوق =

الصفحة 112